شكّل الإعلان عن تغيير هياكل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يوم الـ19 المُنصرم من يوليوز الجاري، نقطة فارقة في مسار عددٍ من لجانِه الجهويّة، حيثُ تمّ اِنهاءُ مهام رؤساء، فيما تمّ تنقيل آخرين إلى جهات أخرى، بناءً على مقتضيات دستور المملكة.
المجلس الذي يعدُّ هيئة دستورية اِستشارية، يُعهدُ لها بمتابعة الوضع الحقوقي و اِثراء منظومة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يضعُ اليوم -بتشكيلته الجديدة- حدًّا لتجربة واحدٍ من أهم الأسماء التي طبعت مرحلةً مُهمّةً من تاريخ الصّحراء، “محمد سالم الشرقاوي” الذي يعتبرُهُ معارضوهُ قبلَ مُؤيّديه أحدَ أهمّ الكوادر الصّحراوية التي تقلّدت المهمة الحسّاسة ونجحت في خلقِ حالةٍ من الإجماع والتّوافق بعيداً عن مُقاربة المواقِف والولاءات.
و عقب اِفراجِهِ في الـ19 من يوليوز الحالي، عن بلاغه، تكون صفحة “الشرقاوي” قد طويت بجهة “العيون الساقية الحمراء” بما لها من حساسيّاتٍ وخصوصيات، لتحُلَّ مكانها صفحةٌ بيضاءَ جديدة، يجِدُ فيها “توفيق البرديجي” نفسه، رئيساً جديداً على اللّجنة الجهويّة، قادِماً من الجارة الـ”طنطان-كليميم”.
غير أنّ تجربة الرئيس الأسبق، المُمتدّة مُنذُ سنة 2011 إلى أيّامٍ قليلة قبل صدُور التّعيينات الجديدة، تجعلُنا في “أخبار تايم”، أمام فُرصةٍ لتدوين ملاحظات جوهريّة حول مسار الرّجُل، الذي سيظلُّ حاضِراً كُل المتدخّلين والفاعلين بالحقل الحقوقي.
ثمان سنوات من العطاء .. المَدُّ قبلَ الجَزر
شهدت الأقاليم الجنوبية، في آونتها الأخيرة، طفرة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، وحمايتها من الانتهاك، حيث شكلت اللجان الجهوية الثلاث، آلية أساسية للنّهوض بثقافة حقوق الإنسان، كان “محمد سالم الشرقاوي” أبرز وجوهها، رئيساً جهويّاً للّجنة الجهوية لحقوق الإنسان العيون السمارة.
تعيينٌ يعكِسُ الثّقة التي نالها الإسم من أعلى مراكز صُنع القرار، ليقودَ تجرِبةً وليدة، كان القيّمون على الشّأن الحقوقي بـ”المغرب” يضعون أكُفّهم عليها، حتّى لا تُطفئ التيّاراتُ المُتقاطبة شمعتها، حينها لم نكن نعرف أدنى معلومة عن “الشرقاوي” والفريق العامل معه، سوى اِشاراتٍ مبدئيّة وشت بأنّ المنطقة مُقبلة على مجهود شاب مُنظّم ومُنفتح.
وبمرور المحطّات، اِستطاع بعدها “محمد سالم الشرقاوي” ومن معه، خلقَ نوعٍ من التّوافُقِ حولَ لجنَةٍ تُعبِّرُ عن الرّأي الرّسمي لكونها تحمل شعار المملكة، لكنّها أيضاً لا تُمانعُ في الإصطدام المُباشر والجريء، بكُلِّ المُتدخّلين في المُقاربة الأمنية والحقوقية، إن دعت الضّرورة لذلك.
وفي محافِلَ عِدّة، اِجتمعَ تحت سقفٍ واحد، من يدينون بأطروحة الإنفصال مع من يُدينونها، بحضور مُمثّل مُختلف الأمنيّة والقضائيّة، هُناك حيثُ تعالت لهجة المواقِفِ التي بات من الممكن مع لجنة “الشرقاوي”، مناقشتها بتقبُّلٍ غيرِ معهود.
نقطة التحوّل .. حين خلقت “العيون” الإستثناء بين ثلاث لجان
شكّلت لجنة “العيون” و مُنذُ تنصيبها، اِستثناءًا واقعيّاً يبدأُ بتشكيلها المُتنوِّع، ولا ينتهي بدينامية عملها وعناوين نشاطاتها، نقطة تحوُّل عرفها المسار الحقوقي بـ”الصّحراء” تُحسَبُ لـ”الشرقاوي”، الذي ضخَّ دينامية قوية في مُختلف أقاليم “العيون الساقية الحمراء”، على مستوى تنظيم لقاءات تشاورية وأيّام دراسية وتلقي شكايات، تلك التي فاقت الـ2000، حسب أرقام مُنظّمة “الديموقراطية الآن”، ناهيك عن التّدخلات الإستباقية والإتصالات المختلفة التي تكرّس حقوق الإنسان كرهان واستراتيجية للتنمية المستدامة.
الرهان الإعلامي، كان القوة الإستباقية لـ”الشرقاوي”، لطالما عرض و استعراض ما توصّلت إليه لجنتُهُ من مكاسب، من خلال تصريحات قوية وخرجاته “غير متوقعة” في أحيان أخرى، أبرزها تلك التي خلقت جدلاً، حول موقفه من إستفادة سكان الصحراء من خيرات الإقليم المتنازع عليه يضيف الشرقاوي صرح في لقاءٍ مباشر أجراه مع إحدى القنوات الوطنية.
الشخصية الكاريزماتية
بالرغم من تواجد ثلاث لجان جهوية لحقوق الانسان بالصحراء، إلا أن الشخصية الكاريزماتية، لـ”محمد سالم الشرقاوي”، مكنته من حمل لواء تكريس وعي حقوقي متميز بالمنطقة لسنوات مضت، فأضحى اسمه والمؤسسة التي يمثلها حاضرة وبقوة في التحولات المجتمعية التي تعيشها الأقاليم الصحراوية.
خاصةً، وقتَ يكون الحديث مخصصاً عن العيون الساقية الحمراء، خرجات إعلامية وكذا مواقفه غير متوقعة، مكنت الرجل من جعل ملف الصحراء نقطة قوته، و محوراً حاضراً باستمرار عندما يتحدث عن حقوق الإنسان ضمن خطابه مهما كانت الظروف والاكراهات.
الحضور الكاريزماتي، مكن الشخصية الحقوقية، من ثقة لقاء وتفاوض في ملف حقوق الإنسان لقضية فاق عمرها الأربعين، حيث كان “الشرقاوي” الرئيس الجهوي الوحيد ضمن تشكيل مجلس حقوق الإنسان، الذي التقى المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة والمكلف بملف الصحراء “هورست كوهلر”، فضلاً عن عديد الوفود الأجنبية و الدبلوماسية التي جعلت “اللجنة” محطة ثابتة في مختلف جولاتها.
“الشرقاوي” عاصر بهذه الكاريزماتية، دينامية متنوعة داخل النسيج المدني، وكذا تعاقباً إداريا لولاة عدة ترأسوا الجهة، مذ توليه منصب الرئاسة، و أصبحت “حقوق الإنسان” حاضرة في رؤاهم وتصوراتهم لتسيير الشأن الجهوي.
يرحلُ “الشرقاوي” اليوم عن “العيون” (مهنيّا)، تاركاً وراءهُ تجربةً لا بُدّ من اِّثارتها والخوض في مواضع نقصها قبل نقاط قوّتها، “أخبار تايم” فتحت النّقاش وتترُكُ لكم فُرصة الإلتحاق بنا، واِبداء آرائكم و تصوّراتكم، في خانة التعليقات أو على مختلف وسائط التّواصل الإجتماعي للمنصّة.