أقدمت الحكومة الفرنسية، أمس الثلاثاء، على الدّفاع عن التّدابير المالية، التى أعلنها الرئيس “إيمانويل ماكرون” أوّل أمس الإثنين، رغم أنّها كلفتها 15.5 مليار يورو لامتصاص غضب أصحاب “السترات الصفراء”، الذين قادوا مظاهرات عنيفة فى شوارع “باريس”، احتجاجًا على رفع أسعار الوقود والضّرائب، و انخفاض مستوى معيشة الطبقات الدنيا.
وقالت وكالة «AFP» الفرنسية إن أكثر من 21 مليون فرنسى شاهدوا إعلان ماكرون حالة الطوارئ الاقتصادية والاجتماعية فى خطاب وجهه إلى الشعب على شاشة التليفزيون و تعهد فيه بتخصيص مليارات اليوروهات لدعم أصحاب الأجور المنخفضة.
وتباينت ردود فعل الصحف الفرنسية حول خطاب ماكرون والإجراءات التى وعد بها لكبح الاحتجاجات، إذ تقول صحيفة «لاكروا» إن «ماكرون» اعترف بأخطائه ووعد بتدابير عاجلة استجابة للغضب الشعبى الذى هز فرنسا هذه الأيام، لكنه رفض التراجع عن قرار إصلاح الضريبة على الثروة، وأن هذه الإجراءات لن تحل الأزمة كاملة، بل ستخفف فقط ضغط الشارع.
وتتضمن التدابير التى أعلنها زيادة الحد الأدنى للأجور بحوالى 100 يورو اعتبارا من العام الجديد، رغم أن هذا الإجراء يكلف الحكومة 11 مليار يورو (12.5 مليار دولار) و من المرجح أن يتعارض مع سياسة المفوضية الأوروبية فى بروكسل، لأن العجز فى الميزانية الفرنسية من المتوقع أن يتجاوز الحد الذى وضعه الاتحاد الأوروبى عند %3 من الناتج المحلى الإجمالى.
ويرى “توماس ميراي”، أحد المتحدثين الرسميين عن «السترات الصفراء» فى منطقة جنوب بيرينيه أورينتال أن «ماكرون» استمع لهم قليلا و لكن عند النظر إلى تفاصيل التدابير التى أعلنها، فإنه لم يعالج الأزمة على الإطلاق ويريد وقف العنف فقط، ولذلك فإن الاحتجاجات ستستمر ولكن هناك محتجين آخرين مستعدين لقبول غصن الزيتون الذى قدمه “ماكرون”.
وأكد “بنيامين جريفو”، المتحدث الرسمى للحكومة الفرنسبة، لشبكة «BFM» التليفزيونية، أن رفع الحد الأدنى للأجور و معدل التضخم بعد تعديله المخطط له، يعنى أن هناك زيادة 125 يورو ستذهب فى جيوب ذوى الدخول المنخفضة، علاوة على خفض ضريبة الدخل لهم 20 يورو، وكذلك إلغاء ضريبة الدخل على أصحاب المعاشات الذين يتقاضون أقل من 2000 يورو فى الشهر، ويبلغ الحد الأدنى للأجور فى فرنسا 1498 يورو شهريا قبل اقتطاع الضرائب و1185 يورو بعد خصمها .
وتؤكد صحيفة «20 مينوت» المجانية أن «ماكرون» تنازل، وعلى عدة مستويات أمام «السترات الصفراء»، وطرح عددا من الإجراءات لتشجيع القدرة الشرائية للفرنسيين والاستجابة لحالة الطوارئ الاقتصادية، والاجتماعية التى تمر بها فرنسا، ولكن هذه الإجراءات تهدف إلى وضع حد للعنف الذى يتخلل الاحتجاجات .
وتتساءل صحيفة «لوباريزيان» على الغلاف : هل التدابير التى أعلن عنها «ماكرون» كافية لوضع حد للأزمة؟ وتقول فى الافتتاحية إن توجهه للشعب الفرنسى عبر هذا الخطاب كان تمرينا بالغ الحساسية ومحفوفا بالمخاطر، فقد كان عليه البرهنة على أنه سمع غضب الشعب وأن يعترف بأخطائه و أنه رد هذه المرة على الاحتجاجات ومد يده إلى الفرنسيين، وخطا خطوة نحو الفئات المتواضعة .
أما صحيفة «ليبراسيون» اليسارية الفرنسية فعنونت «لقد فهمتكم قليلا»، مشيرة إلى أن «ماكرون» عرض عدة حلول لكنها لن تكون كافية لإقناع المتذمرين من سياسته الاجتماعية، ولذلك سيبقى الغموض سائدا حول سياسته وحول الإصلاحات التى سيجريها فى السنوات والشهور المقبلة من ولايته، مؤكدة أنه لم يقدم فتاتا بل قدم بعض الخبز لمن لا يتحصلون عليه، وهو يراهن على تراجع شعبية «السترات الصفراء ».