تابع المواطنون الموريتانيين ومعهم العالم، مختلف مراحل الإستحقاق الإنتخابي الموريتاني باهتمام بالغ، كون البلاد تدخل المنعطف الديمقراطي الأول بعد إقرار دستور 2017، ذلك الذي تعلق مختلف شرائح المجتمع الموريتاني عليه و بخاصة الشباب، آمالا كبيرة، لعل البلاد تطل بوجه جديد يغير صورة تجربتها السياسية المتحفظة.
التغيير المنشود يملك بلا شك خصوصيته، تلك التي تكمن في كونه أول تداول سلمي على السلطة، يفي بالقطيعة مع عادة الإنقلابات العسكرية، التي شهدتها البلاد خلال سنين خلت، حيث إحترم الرئيس الحالي “محمد ولد عبد العزيز” الدستور ولم يقفز عليه لأجل مأمورية ثالثة.
أجريت الإنتخابات إذن، بناء على هذه الأرضية المتفائلة، و في جو تطبعه التنافسية، ستة مرشحين قدموا أوراق اعتمادهم، ثلاثة منهم سبق وأن خاضوا إنتخابات رئاسية سابقة، وهم : السيد “كان حميدبابا” ذو الأصول الإفرقية، و المقرب من حركة أفلام ، كما السيد “محمد ولد مولود” رئيس حزب إتحاد قوى التقدم اليساري المعارض، المدعوم من طرف حزب تكتل القوى الديمقراطية، و أخيراً و ليس آخراً السيد “بيرام ولد الداه ولد أعبيدي” ذو الخلفية الحقوقية، المنتمي لشريحة “الحراطين” المحسوبة على المكون العربي الحساني.
فيما المرشحون الثلاثة الآخرين، يعدون بالنسبة للناخب الموريتاني وجوهاً جديدة بالنسبة للمنصب -على الأقل-، و على رأسهم مرشح النظام و وزير الدفاع الأسبق السيد “محمد ولد محمد أحمد ولد الغزواني” ، ثم السيد “سيد محمد ولد ببكر” الوزير سابق في عهد الرئيس المخلوع “معاويه ولد الطايع” كما عهد الراحل “أعل ولد محمد فال”، ذلك المدعوم من طرف التيار الإسلامي وبعض القوى المعارضة؛ ينضاف إليهم المرشح الشاب “ولد المرتجي”.
لائحة من الوجوه تعكس بلا شك تشتت المعارضة، التي تفرق جهدها وعجزت عن تقديم مرشح يحظى بالتوافق و الإجماع، كونها شهدت إنسحابات مؤثرة لصالح مرشح النظام، ذلك الذي ظل صامتاً طيلة عشر سنوات داخل دواليب السلطة، رجل المهمات الصعبة كما يصفه أنصاره .
ولعل واقع النتائج الأولية الرسمية المعلنة أمس الأحد، من قبل اللجنة المستقلة للإنتخابات لم تكن مفاجئة، فكل المراقبين توقعوا فوز “ولد الغزواني” في الشوط الأول من الاستحقاق، إلا أنهم جميعاً لم يكونوا على يقين تام بأن جولة واحدة ستكفي لحسم السباق في أوله.
النتائج ذاتها التي يرفض إلى الآن أبرز خصوم الرئيس الجديد الإعتراف بها، خاصة أن حلول كل من “بيرام” و “ولد ببكر” في المركزين الثاني و الثالث على التوالي، أدى إلى بعض الاضطرابات هنا وهناك، قادها عديد الأنصار المتعصبين لحركة “إيرا” التي يترأسها “بيرام” .
تحركات يصفها المتابع للشأن الموريتاني “الحامد أحمدجباب”، بالـ”عفوية” و “غير المنظمة”، وقودها البشري لا يعدوا فئات القاصرين والمراهقين، ممن أثر عليهم خطاب حركة “إيرا” الردكالي من جهة، أو أولائك الذين يدينون لروح التغيير التي تسكن كل شباب موريتانيا من جهة أخرى .
ويبقى البعد الإجتماعي حسب “أحمدجباب” دائماً، حاضراً إلى جانب البعد الإنساني و كذ االصراع الطبقي في العملية السياسية، إذ يعتير المحرك الرئيس الذي يواجه “ولد الغزواني” في أولى أيامه في القصر الرئاسي بـ”نواكشوط” كيفية إحتواء مختلف التيارات المتنافرة، فضلاً عن إطلاق مشاريع تخدم المجتمع و الشباب ممن يشكلون عصب الرأي العام الوطني، تماشياً مع الوعود التي أطلقها خلال حملته الرئاسية.
فهل يحدث المنتخب الأول بعد التعديلات الدستورية التغيير المنشود، أم أن الحال سيبقى على ماهو عليه ؟