يبدو أن فيروس كوفيد-19، يأبى الاستسلام في الصين، حيث لم يستمر هدوءه سوى بضعة أشهر، قبل أن يعود في بداية السنة، لتجد المدن الصينية نفسها، ومن بينها العاصمة بكين، مرة أخرى في صلب موجة جديدة من الإصابات.
ومنذ بداية الأسبوع، لم يتوقف عدد الإصابات عن الارتفاع، وذلك بعد أن أعلنت اللجنة الوطنية للصحة عن حصيلة جديدة بلغت 1150 حالة إصابة محلية مؤكدة بفيروس كوفيد-19، بالبر الرئيسي الصيني.
وفي المجموع تم تسجيل 7691 اصابة محلية بدون أعراض، من دون أي حالة خطرة، ودون تسجيل أي حالة وفاة، ليستقر إجمالي الوفيات بالبر الرئيسي الصيني 5226 وفاة.
ومع ذلك، فإن هذا الارتفاع الجديد، الذي وصف بأنه مثير للقلق، كان وقعه صادما في جميع أنحاء البلاد، باعتبار أن مقاربة عدم التسامح المطلق مع الفيروس، التي دافعت عنها السلطات بقوة، تم تطبيقها بطريقة صارمة جدا، كما تم اعتماد الحجر الصحي في عدة مناطق، وإغلاق العديد من المجمعات السكنية في بكين، والزامية إجراء الاختبارات اليومية لجميع السكان.
ورغم الجدية التي تتعامل بها السلطات مع الارتفاع الحالي في عدد الحالات، فإن الوضع لا يبعث على التفاؤل.
وذكرت الصحف المحلية أمس الخميس أن المطارات في جميع أنحاء البلاد عرفت إلغاءات عامة للرحلات يوم الأربعاء، حتى أن بعض المطارات وصلت إلى معدل إلغاء بلغ 98 في المائة.
وصباح أول أمس الأربعاء، ألغى مطار قوانغتشو بمقاطعة قوانغدونغ جنوب الصين 1163 رحلة، بمعدل إلغاء بلغ 89 في المائة.
كما عرف مطاران رئيسيان في بكين إلغاء عاما للرحلات، وذلك بعد أن تم إلغاء 718 و 767 رحلة على التوالي في مطار بكين الدولي ومطار بكين داشينغ الدولي، أي بنسبة بنسبة 75 في المائة و 86 في المائة على التوالي من معدلات الإلغاء.
وتشير وسائل الإعلام الرسمية إلى وضع “معقد” دفع السلطات في جميع أنحاء البلاد إلى تكثيف الجهود من أجل استجابة فعالة لمكافحة تفشي الانتشار الجديد.
وفي الخطاب الرسمي تعود حماية الصحة العامة كمعطى أساسي لشرح أسباب الإجراءات المتخذة، على الرغم من تأثيرها الكبير على الاقتصاد.
ويتسم سياسة تنفيذ عدم التسامح المطلق، بعدم ترك أي مجال للتراخي، وهو ما جددت التأكيد عليه أول أمس الأربعاء السلطات الصحية التي أشارت إلى أن بعض المناطق اعتمدت إجراءات مبسطة لاحتواء الفيروس.
وقال تو جيا، المسؤول في الإدارة الوطنية للوقاية والسيطرة، إن مثل هذا السلوك يتعارض مع متطلبات السيطرة العلمية والمستهدفة للوباء وتنسيق الاستجابة لكوفيد-19.
وتثير الزيادة الجديدة في الإصابات التساؤلات حول تأثير سياسة عدم التسامح المطلق، باعتبار أن المحللين كانوا يتوقعون تخفيف القيود خلال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، الذي انعقد مؤخرا في بكين.
ومع ذلك، لم يتم اتخاذ قرار بشأن هذه القضية، والتي يبدو أنها أثرت سلبا على اقتصاد هذه القوة الاقتصادية الثانية على مستوى العالم.
وعرف الناتج المحلي الإجمالي للصين خلال الفصل الثاني من السنة الجارية، نموا بنسبة 0,4 في المائة فقط على أساس سنوي، وهو أسوأ أداء منذ سنة 2020، قبل أن ينتعش إلى 3,9 في المائة في الفصل الثالث، وذلك حسب الأرقام الرسمية الصادرة هذا الأسبوع.
وحددت الحكومة الصينية هدف تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 5,5 في المائة على مدى سنة 2022.
وأكد صندوق النقد الدولي مؤخرا أنه يتوقع تراجع نمو الصين إلى 3,2 في المائة هذه السنة، أي بانخفاض 1,2 نقطة عن التوقعات الصادرة في أبريل الماضي.
ودفعت عودة العدوى اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني إلى عقد اجتماع برئاسة الرئيس شي جين بينغ، وهو أيضا الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.
وكان الأمر يتعلق بدراسة تقرير حول الاستجابة لهذا الارتفاع الجديد ودراسة التدابير التي سيتم تنفيذها لزيادة تحسين إجراءات الوقاية والسيطرة.
وذكرت وسائل الإعلام الرسمية نقلا عن المشاركين أن الصين دولة ذات كثافة سكانية كبيرة يتواجد بها مجموعات كبيرة من السكان الأكثر ضعفا، وتنمية إقليمية غير متوازنة وموارد طبية غير كافية.
وأشاروا إلى أنه بسبب تحور الفيروس وتغير المناخ في الشتاء والربيع، قد يزداد حجم البؤر بشكل أكبر، مسجلين أن وضع الوقاية من كوفيد-19، والسيطرة عليه لايزال خطيرا.
وأبرز المشاركون الحاجة إلى الحفاظ على قرار استراتيجي راسخ، فضلا عن القيام بإجراءات السيطرة على كوفيد-19 بطريقة علمية ومستهدفة.
كما أبرز المشاركون ضرورة إعطاء الأولوية للناس والحياة، لمنع استيراد الحالات وانتعاش الوباء داخل البلاد، والتشبت بقوة بسياسة عدم التسامح المطلق في مواجهة كوفيد-19 في آن واحد. وشدد الاجتماع أيضا على ضرورة ضمان الاستقرار الاقتصادي وأمن التنمية، مع التنسيق الفعال للوقاية والسيطرة على الوباء مع التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وذكر الاجتماع أنه يتعين اتخاذ إجراءات أكثر حزما وحسما لمكافحة الوباء لاحتواء انتشار الفيروس واستعادة النظام الطبيعي للعمل والحياة في أسرع وقت ممكن.
وسجل المشاركون أيضا أنه لا يتعين تخفيف التدابير الضرورية لمكافحة الأوبئة، في وقت يجب فيه تصحيح السياسات المفرطة والتعامل المبسط مع المشاكل.