يعتقد الكثيرون أن مواصفات السياسي الناجح هي تلك التي تضمنها كتاب الأمير لمبدعه “ميكيافيلي” الذي قدم من خلاله وصفة مكر الثعلب و قوة الأسد للحفاظ على السلطة بمبرر أن غاية السياسي هي الوصول للسلطة أولا، ثم الحفاظ عليها ثانيا، و للوصول لغايته فكل الوسائل تبقى متاحة و مباحة بغض النظر عن كونها أخلاقية أم لا.
لكن مع مرور الزمن و تغير الخطط وظهور تنظيمات الدول والمجتمعات بالمعنى الحديث، بدأت تبرز معالم أخرى لبروفايل السياسي الناجح، معالم لاترتكز بالضرورة على القوة والمكر، بقدر ما تنبني على تقنيات ومؤهلات خاصة تتعلق أولا بالخطاب السياسي بغض النظر عن الفعل الذي أصبح أكثر تجاوزاً في عالم السياسة الحديث.
فالساسة اليوم يتقنون فن الكلام أكثر من تطبيقهم للبرامج التي يتبنونها في تلك الخطابات، لذلك نجد اليوم أن كبار سياسيي العالم ورؤساء الدول يتدربون لأسابيع على خرجاتهم الإعلامية ويتعلمون تقنيات التواصل الحديثة من نظرات حركات لإثارة المشاعر و إيصال الرسالة المراد إرسالها.
الشعبوية
الشعبوية هي أحد أحدث أنواع الخطابات السياسية المعتمدة للتقرب أكثر من المواطن البسيط، وهذا النوع من الخطاب يرتكز على عاملين أساسيين :
أولهما، اللغة البسيطة و القريبة من إدراك و فهم الفئة العريضة من الشعب والتي تتميز بمستوى تعليمي و ثقافي محدود، وبُعد تام عن المجال السياسيي بالتالي فهذه الفئة هي معبر بالنسبة للسياسي للوصول السلس للسلطة.
و ثانيهما، الاعتماد على شعارات وعبارات لإثارة المشاعر والحماس لدى هذه الفئة، فالسياسي الذي يعتمد أسلوب الإقناع و الخطاب الشعبوي، يلعب في الغالب دور الضحية و المدافع عن المصلحة العامة و المحارب لذلك، ويعتمد في إيصال هذا الطرح على عبارات تجيش عواطف الناس و تجعلهم متعاطفين معه مُنصباً نفسه كمدافع عن مصلحتهم لكنه غير مرغوب به من طرف من يسميهم في الغالب “المفسدون” لذلك يطلب ود وتعاطف العامة للتغلب عليهم.
فالعامة غير معنية بحساب الناتج الداخلي الخام ولا تهمها الاجراءات الضريبية لقانون المالية، كما لا تستهويها خطابات التنمية المجالية أو الجهوية المتقدمة و غيرها من التقديرات والدراسات الاقتصادية، بقدر ما تركز على ما يلامسها بشكل مباشر، وجوب توفر مركز صحي يضم طبيب و ممرض و دواء مجاني و مدرسة بالحي و أسعار مستقرة للمواد الغذائية الأكثر استهلاكاً.
و في نظرهم فدور السياسي هو الحفاظ على هذا التوازن الاجتماعي بالأساس بغض النظر عن التشريع وسن القوانين وتنفيذها، بالتالي فالخطاب الشعبوي الموجه لهاته الفئة لا يخرج عن النطاق أعلاه ولا يتجاوز تلك الخطوط العريضة.
وقد أصبح هذا النوع من الخطابات السياسية هو الأكثر إستعمالا وتداولا بين السياسيين المغاربة مؤخراً معتمدين بذلك على نجاح التجربة “البنكيرانية” الذي يعتبر أحد رواد هذا الخطاب بالمغرب الحديث، لكن هذا الاسقاط قد لا يتلازم دائما مع النجاح، فكما أن للخطاب الشعبوي الحماسي المثير محاسن فله مساوئ كثيرة قد تطيح بصاحبها في لحظات اندفاع مبالغ فيها، فيما لا تحمد عقباه، ويقع ضحية زلات قد لا تغتفر في كثير من الأحيان.
و هنا تظهر مرة أخرى إحدى علامات السياسي الماكر الذي له القدرة على إصلاح ما أتلفته زلاته إما بالتجاهل أو الرد وقلب الطاولة على المنتقدين و سأفصل في مقال قادم في الفرق بين الطريقتين.
أحمد مطراق : باحث في العلوم السياسية