تولي جمهوريّة الصّين الشّعبيّة إهتمامًا كبيرًا بالقارّة الإفريقيّة، وعلى رأس الأسباب والعوامل التي يرجع لها هذا الإهتمام، تزايد الأهميّة الإستراتيجيّة بالقارّة السّمراء في المجمل، وارتباطًا بما تعنيه في السّاحة الدّوليّة كوجهة مهمّة تنصبّ إليها جميع الأنظار.
وتظلّ القارّة الإفريقيّة، كما كانت على مدار التّاريخ، إحدى أهم ساحات التّنافس بين القوى الكبرى، إن لم تكن أهمّها على الإطلاق، وذلك طبعًا رغم ما عرفته من متغيّرات سياسيّة وعسكريّة وجغرافيّة، خلال القرون القليلة الماضية.
وفي المقابل، فإنّ الصّين التي تعتبر ثاني أكبر إقتصاد في العالم وأكبر شريك تجاري لإفريقيا، تسعى للإستفادة من كنوز القارّة الهائلة عبر تعزيز نفوذها وبسط تواجدها؛ وفي هذا الإطار تأتي القمّة الصّينيّة الإفريقيّة : “منتدى التّعاون الصّيني الإفريقي” (فوكاك).
وبالرّجوع خطوةً إلى الوراء، فقد تمّ إطلاق هذا المنتدى عام 2000 بين الصّين و53 دولة إفريقيّة، قبل أن يتوسّع لاحقًا من مجرّد منتدى للعلاقات الدّبلوماسيّة، إلى منتدى شامل للعلاقات الإقتصاديّة والمشروعات التّنمويّة والتّعاون السّياسي، بالإضافة إلى تعزيز القوّة النّاعمة للصّين في القارّة الإفريقيّة.
وشهد المنتدى، أيضًا، طفرةً كبرى في عهد الرّئيس الصّيني شي جين بينغ منذ عام 2013، حيث تحوّل إلى إطار تعدّدي شامل لمختلف أوجه التعاون الصّيني الإفريقي، بما في ذلك قضايا الصّحة والبيئة والتّجارة والتّمويل والأمن والقضايا السّياسيّة والأيديولوجيّة، وقضايا التّنمية الإنسانيّة.
وزن المملكة المغربيّة في القارّة الإفريقيّة
للمغرب دور ريادي في القارّة السّمراء، وعلى ضوء ذلك أكّد وزير الخارجيّة الكرواتي السّابق ميرو كوفاتش، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنّ المغرب، تحت القيادة المستنيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، فرض نفسه “كبلد رائد في القارّة الإفريقيّة”. موضّحًا أنّ “المقاربة المتبصّرة لجلالة الملك من أجل إحداث تحوّل في المجتمع والإقتصاد المغربي مكّنت المملكة من أن تصبح اليوم فاعلاً مهمًّا في الإقتصاد العالمي”، وهو ما يعكس وزن المغرب داخل وخارج القارّة السّمراء.
وتابع كوفاتش، أنّ “المغرب تحوّل منذ اعتلاء جلالة الملك العرش إلى بلد منيع نجح في تنفيذ إصلاحات إجتماعيّة واقتصاديّة كبرى، وأنّ مكانة المغرب على المستوى العالمي، وخاصّةً في إفريقيا، تجسّد تحوّلًا مذهلًا يحِقّ للمغاربة أن يفخروا به”.
متانة العلاقات المغربيّة الصّينيّة
أشار موقع China Today الصّيني، إلى أنّ “العلاقات المغربيّة الصّينيّة متميّزة بفضل التّقارب الحاصل في المواقف والرّؤى والدّعم المتبادل في المنظّمات الدّوليّة من جهة، والرّغبة المشتركة في مواصلة تعزيز أواصر الصّداقة وتنويع التّعاون من منظور التّآزر والمنفعة المتبادلة من جهة أخرى”.
من جهته، كان سفير المملكة المغربيّة في الصّين، عبد القادر الأنصاري، قد أكّد “إرسال المغرب وفدًا رفيع المستوى لحضور قمة منتدى التّعاون الصّيني الإفريقي لعام 2024″، معتبرًا أنّ هذا المنتدى “فرصة لتقييم الوضع الحالي وآفاق الشّراكة الصّينيّة الإفريقيّة، فضلًا عن كونه فرصة لمناقشة العلاقات الثّنائيّة في إطار المنتدى، إضافةً إلى مناقشة مواضيع النّمو والتّنمية وسبل مواجهة التّحدّيات المشتركة”.
وشكّل هذا اللّقاء الدّولي للمملكة المغربيّة، فرصةً لتعزيز علاقاتها مع هذا الإقتصاد الآسيوي الرّائد عالميًّا، باعثة إشارات دالّة، أبرزها مشاركة وزير الشّؤون الخارجيّة والتّعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، الثّلاثاء، في الإجتماع الوزاري لمنتدى التّعاون الصّيني الإفريقي ببكين.
ويترجم متانة العلاقات المغربيّة الصّينيّة، أنّ الصّين إستمرّت في استبعاد الطّرح الإنفصالي في قضيّة الصّحراء المغربيّة، رغم المحاولات الحثيثة التي قادتها الدّبلوماسيّة الجزائريّة بقيادة رئيسها أحمد عطاف، موجّهةً “صفعة جديدة” على خدّ الجبهة الإنفصاليّة، التي كانت تمنّي نفسها بتكرار “فضيحة طوكيو” خلال اجتماع أشغال التّحضير لقمّة “تيكاد-9″، الذي انعقد قبل أيّام.
وينسجمّ هذا الموقف، مع ما ينص عليه إعلان وخطّة عمل بكين 2025-2027 في فقرته الأولى، على “أنّ الدّول الإفريقيّة الأعضاء في الأمم المتّحدة هي فقط الأعضاء في منتدى التّعاون الصّيني الإفريقي”، ممّا يبدّد الكذبة الجزائريّة القائلة بأنّ الكيان الوهمي للبوليساريو عضو في شراكات بالقارّة الإفريقيّة.
بُعد العلاقة بين المغرب والصّين
أعرب رئيس اللّجنة الدّائمة للمجلس الوطني لنواب الشّعب الصّيني السيّد تشانغ ده جيانغ، عن يقينه بأنّ العلاقات بين المغرب والصّين ستعرف تطوّرًا ملحوظًا في المستقبل.
وأكّد جيانغ، خلال المباحثات التي كان قد أجراها مع رئيس مجلس المستشارين سابقًا، أهميّة نتائج الزّيارة التي قام بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله للصّين سنة 2016، مشيرًا إلى أنّ هذه الزّيارة كانت ناجحة بكل المقاييس وشهدت التّوقيع على الشّراكة الإستراتيجيّة الشّاملة بين البلدين، التي أكّد أنّها محطّة جديدة في تاريخ العلاقات الثّنائيّة.
وبعد أن أبرز السيّد تشانغ ده جيانغ، أنّ المغرب حقّق تطوّرًا ملحوظًا وإنجازات هامّة على كافة الأصعدة، قال إنّ العلاقات العريقة والنّموذجية القائمة بين البلديْن جعلت الصّين ترى في المملكة المغربيّة “صديقًا نموذجيًّا على مستوى الدّول العربيّة والإفريقية ومحطّ ثقة”.
دعم الرّئيس الصّيني لإفريقيا
في خطاب ألقاه في قاعة الشّعب الكبرى بالعاصمة بكين، أمام القادة الأفارقة، أمس في افتتاح المنتدى، قال الرّئيس الصّيني شي جين بينغ، إنّه “على مدى السّنوات الثّلاث المقبلة، الحكومة الصّينيّة مستعدّة لتقديم دعم مالي يصل إلى 360 مليار يوان (50.7 مليار دولار)”، ووعد كذلك بالمساعدة في “خلق مليون فرصة عمل على الأقل لإفريقيا”. كما أشار إلى أنّ أكثر من نصف هذا المبلغ سيكون قروضًا، مع 11 مليار دولار “على شكل مساعدات”، إضافةً إلى 10 مليارات دولار من خلال تشجيع الشّركات الصّينيّة على الإستثمار.
وعلى ضوء ذلك، أكّد الرّئيس الصّيني أنّ بلاده مستعدّة لتعميق التّعاون مع القارّة في مجالات شتّى مثل البُنى التّحتيّة والتّجارة، وقال إنّ “الصّين مستعدّة لتعميق التّعاون مع الدّول الإفريقيّة في الصّناعة والزّراعة والبنية التّحتيّة والتّجارة والإستثمار”، وقال الرّئيس الصّيني إنّ “العلاقات الصّينيّة- الإفريقيّة تمر الآن بأفضل فترة في تاريخها”.
وفي سياقٍ متّصل، تشير دراسة لـ”مركز رع للدّراسات الإستراتيجيّة”، أنّ حجم التّبادل التّجاري بين الصّين والقارّة الإفريقيّة بلغ حوالي 282 مليار دولار خلال عام 2022، فيما بلغ حجم الصّادرات الصّينيّة إلى إفريقيا حوالي 164.5 مليار دولار، بينما بلغ حجم الصّادرات الإفريقيّة إلى الصّين حوالي 117.5 مليار دولار.
وتشير تقديرات إلى أنّ حجم الإستثمار الأجنبي الصّيني المباشر في إفريقيا، يصل حوالي 44 مليار دولار، كما تملك الصّين حوالي 12% من ديون الدّول الإفريقيّة التي تضاعفت أكثر من 5 مرّات بين عامي 2000 و2020 لتصل إلى حوالي 696 مليار دولار. يضيف نفس المصدر.
المستقبل المشرق للشّراكة الإستراتيجيّة مع الصّين
قال رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، رئيس الوفد المغربي، ممثّلًا للملك محمد السادس في القمّة الرّابعة لمنتدى التّعاون الإفريقي – الصّيني (فوكاك)، (قال)-إنّ “المغرب بفضل مؤهّلاته وموارده الإستراتيجيّة، سيبقى شريكًا مثاليًّا للصّين وإفريقيا في تنفيذ مختلف المبادرات المشتركة”، معتبرًا أنّ “هذا التّعاون يتيح التّركيز على قطاعات حيويّة مثل تحديث الزّراعة، وتطوير البنية التّحتيّة، والطّاقات المتجدّدة”.
وأضاف رئيس الحكومة المغربيّة، قائلاً “إنّ المملكة المغربيّة على قناعة تامّة بأنّ الشّراكة الإستراتيجيّة بين الصّين والدّول الإفريقيّة تشكّل ركيزة قويّة بالنّسبة لقارّتنا، ومن شأن الشّراكة أن تعزّز العلاقات بين الجانبيْن وترتقي بها إلى مستويات أوسع”.
وشدّد “أخنوش”، على أنّ “المملكة المغربيّة مستعدّة للمساهمة في إعطاء مضمون ملموس لمنتدى التّعاون الصّيني-الإفريقي، عبر تطوير آلياته وبرامجه ومبادراته في مختلف القطاعات، وفي إطار مزيد من الإنفتاح على التّجربة الصّينيّة الرّائدة”.
وأنهى رئيس الوفد المغربي قوله، بأنّ “الصّين، ومن خلال دعمها لهذه المبادرات، لن تعمّق شراكتها مع المغرب فحسب، بل ستلعب أيضًا دورًا حاسمًا في تعزيز الإستقرار الإقليمي والإزدهار في إفريقيا”.