حلمت علا الكرد، الحامل في شهرها التّاسع، برضيعها الذي كانت تمنّي النّفس بحمله بين يديها، للدّرجة التي لم تعد تطيق فيها انتظار الأيّام المتبقّية على الولادة، مستبسرةً بحياةٍ جديدةٍ يجلبها لها المولود إلى قطاع غزّةَ، خلال الحرب التي لم تبق ولم تذر، وأخذت معها أرواح ما يربو على الـ39 ألف فلسطيني، ودمّرت جزءًا كبيرًا من القطاع، إلّا أنّ للقدر كلمته الفيصل، فلم يتسنّ لعلا أن تحقّق حلمها في هذه الحياة على الأقل، إذ لم يمهلها القدر هذه الأيّام القليلة لمعانقة ما كانت تمنّي به النّفس.

وعن تفاصيل القصّة وحيثيّاتها، قال والدها عدنان الكرد، إنّ منزل العائلة تعرّض لهجومٍ جوّيٍّ إسرائيلي في النّصيرات بوسط قطاع غزّة يوم الـ19 يوليوز. وأضاف أنّ علا لاقت حتفها بعد سقوطها من طابق علوي بالمنزل الذي يقطنه نساء وأطفال وشيوخ إثر الإنفجار النّاجم عن القصف.

الأمر الأشبه بالمعجزة

الذي لم يكن يتصوّر، هو أنّ الأقدار الإلهيّة شاءت أن تحدث المعجزة، وهي نجاة طفلها الرّضيع، وكذلك زوجها الذي دخل المستشفى بعد القصف.

وقال عدنان الكرد وهو يتأمل صورة لإبنته أثناء التخرج “معجزة يعني أنه الجنين ظل كويس في بطنها وهي تستشهد”.

وأضاف الكرد “كان أملها الوحيد يعني أنها تمسك إبنها وتحضنه وتملى علينا الدار… وكانت تقول لأمها يعني خلاص إن شاء الله أعوض إخواتي اللي استشهدوا بولادي وأملى عليكم الدار”.

وفي مستشفى العودة بالنّصيرات، الذي نقلت إليه علا بعد الهجوم، تمكّن الأطبّاء رغم كل الصّعوبات من إنقاذ المولود مالك ياسين، ونقل بعدها إلى مستشفى الأقصى في دير البلح.

حالة المولود ووضع المستشفى في ظلِّ القصف المتكرّر

الطّبيب خليل الدكران في المستشفى، حيث تمّ تدمير العديد من المرافق الطبيّة على مدار أكثر من تسعة أشهر من الحرب، قال “تمّ إنقاذ حياة المولود أو الجنين، وتمّ بفضل الله عمل عمليّة في قسم الإستقبال وتمّ انتشال هذا الطّفل ووضعه في الحضانة”.

وقال الكرد، وهو يحدّق في صور أبنائه الثّلاثة الذين قتلوا في حرب غزّة، إنّ الطّفل ياسين أشقر مثل خاله عمر الرّاحل. وأضاف “وكل يوم والله بروح عليه وبزوره، هو حتّة منّي”.

ولا يحصل الأطفال الرّضّع، النّاجون من القصف الإسرائيلي المتكرّر، على أيِّ نوعٍ من الرّاحة أو الرّعاية، لأنّ الصّراع يلحق المزيد من الدّمار بقطاع غزّة المكتظ بالسّكّان.

وقال الدكران “قسم الحضانة ممتلئ أيضًا عن بكرة أبيه بالمصابين وبالمرضى. وحقيقةً، نحن نواجه صعوبات كبيرة في قسم الحضانة. أولًا بسبب عدم وجود أدوية أو مستلزمات طبيّة كافية. وثانيًا نخشى أن يتوقّف المولّد الكهربائي الرّئيسي الموجود في هذا المستشفى، في أي لحظة”.

وتابع الدكران قائلًا “ما ذنب الطّفل الذي بدأ حياته بظروف صعبة وسيّئة جدًّا، حُرم من أبسط مقومات الحياة”.

وتتسبّب الإنفجارت المتكرّرة، التي يخلّفها القضف والإستهداف الإسرائيلي للمدنيّين العزّل، في مقتل عدّة أفراد من أسرة واحدة، وهي مأساة يوميّة تشهدها عائلات غزّة منذ أن بدأت إسرائيل حملتها العسكرية في القطاع.