يبدو أنّ الولايات المتحدة تتّجه نحو إعادة النّظر في دورها بملف الصّحراء، وهو ما كشف عنه معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السّياسات العامّة (AEI)، أحد أبرز مراكز التّفكير القريبة من الحزب الجمهوري، حيث طرح إمكانية إنهاء مهام بعثة “المينورسو”، تماشياً مع الإعتراف الأمريكي بالسّيادة المغربيّة على الصّحراء.
ورقة ضغط دبلوماسيّة
تكتسب واشنطن نفوذاً خاصًّا في إدارة هذا الملف داخل مجلس الأمن، حيث تتحمّل مسؤوليّة “حاملة القلم” في صياغة القرارات الأمميّة. وفي هذا السّياق، لم يعد خيار “اِستفتاء تقرير المصير” مطروحًا بشكل رئيسي، مقابل إشادة متكرّرة بمبادرة الحكم الذّاتي كحل واقعي للنّزاع، وهو ما قد يدفع الإدارة الأمريكيّة إلى استخدام هذه المعطيات للضّغط من أجل إخراج الملف من اللّجنة الرّابعة للأمم المتّحدة، بعد عقود من الجمود الدّبلوماسي.
بعثة بلا نتائج بعد عقود من العمل
في مقال تحليلي نشره مايكل روبين، مدير تحليل السّياسات بمعهد AEI، اِعتُبرت بعثة “المينورسو” نموذجًا لبعثات حفظ السّلام غير الفعّالة، حيث لم تحقّق أي نتائج ملموسة منذ إنشائها عام 1991، رغم إنفاق مليارات الدّولارات عليها. ويرى روبين أنّ هذه البعثة فشلت حتّى في إجراء إحصاء سكّاني، ناهيك عن تنظيم الإستفتاء الذي أنشئت لأجله، وهو ما يجعل استمرارها بلا جدوى، خاصّةً بعد اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على المنطقة.
تحوّل في مواقف واشنطن
يستحضر المقال أيضاً التّحوّل الأمريكي في دجنبر 2020، عندما وقّع الرّئيس ترامب مرسوماً يعترف بسيادة المغرب على الصّحراء، وهو القرار الذي لا يزال ساريًا حتّى اليوم. ويرى روبين أنّ تمويل “المينورسو” في ظل هذه المتغيّرات يُعد خيانة لحليف رئيسي في اتّفاقيات أبراهام، وهو المغرب، الذي يعتبر شريكًا اِستراتيجيًّا للولايات المتّحدة.
التّمويل الأمريكي .. مفتاح بقاء المينورسو
ورغم أنّ الولايات المتّحدة لا تشارك عسكريًّا في “المينورسو”، إلّا أنّها تلعب دورًا محوريًّا في تمويلها، حيث خُصّصت لها ميزانية قدرها 75.35 مليون دولار للفترة بين يوليو 2024 ويونيو 2025، توجّه معظمها للإنفاق على أفراد البعثة.
واشنطن .. المموّل الأكبر
وفق أرقام الأمم المتّحدة، تتحمّل الولايات المتّحدة 27.89% من تكاليف عمليّات حفظ السّلام، وهي النّسبة الأكبر مقارنةً بالصين (15.21%)، ممّا يجعل أي قرار أمريكي بتخفيض التّمويل تهديدًا مباشرًا لاستمرار البعثة. وقد سبق لإدارة ترامب في ولايته الأولى تقليص ميزانية حفظ السّلام بنسبة 54% عام 2019، ما يعزّز فرضيّة اِتّخاذ خطوة مماثلة في ولايته الثّانية.
نهاية المينورسو .. بداية حل سياسي جديد؟
في حال قرّرت الولايات المتّحدة وقف تمويل “المينورسو”، فقد يُمثّل ذلك بداية النّهاية لوجود الملف داخل اللّجنة الرّابعة للأمم المتّحدة، خصوصًا أنّ عدّة دول وازنة، مثل فرنسا وإسبانيا وألمانيا، باتت تدعم مقترح الحكم الذّاتي المغربي كحل نهائي للنّزاع.
المغرب يتحمّل زمام الأمور
على المستوى الميداني، لم يعُد لبعثة “المينورسو” أي دور يُذكر في حفظ اِتّفاق وقف إطلاق النّار، خاصّةً بعد انسحاب جبهة البوليساريو منه عام 2020. وعمليًّا، تتولّى القوّات المسلّحة الملكيّة تأمين المنطقة العازلة والتّصدّي لمسلحي البوليساريو، ممّا يجعل اِستمرار البعثة في نظر البعض أمرًا غير ضروري.
وفي ظل التّطوّرات الأخيرة، يظل السّؤال المطروح : هل تتّجه واشنطن فعلاً لإنهاء “المينورسو”، أم أنّ الملف سيظل عالقًا في دوائر الأمم المتّحدة لسنوات أخرى ؟