بعد إعلان الرّئيس الجزائري السّابق “بوتفليقة”، نيّته سحب ترشيحه لعهدة خامسة ، وتأجيل الإنتخابات إلى ما بعد النّدوة الوطنيّة الجامعة، التي تقودها شخصيّات وطنيّة قبل نهاية 2019، أصبح من الممكن تحليل و استشراف فترة ما بعد حكم الرّئيس المنتهية ولايته، “أخبار تايم” تقرأ لكم في سياقات قبول الشّارع الجزائري بمقترحات “بوتفليقة” من عدمه، في انتظار ما ستؤول له تطورات الأحداث بالجارة الشرقية.
ذ. “محمد عالي غالي”؛ الباحث المتختصص في القانون الدّولي والعلوم السّياسية، يرى أن السّياق الذي جاء فيه الحراك بالجزائر، لايختلف كثيراً عمّا وقع في مصر على الأقل، حيث نتحدّث هناك عن التّوريث الذي كان بموجبه (مبارك) يهيئ لإبنه (جمال)، بينما نتحدّث هنا عن توريث من نوع آخر بخلاف ما تشهدُهُ الجزائر، بمعنى أنّ لدينا الاستمرارية والجمود والإنغلاق في التّداول على الرّئاسة أوالسّلطة ككُل في الجزائر”.
أمّا في ما يخُص الحراك الشّعبي للشّارع الجزائري، وارتباطهُ بشخص “بوتفليقة”، يعلّق ذات المتحدث “، بالقول أنّهُ يجب أن “لا ننسى بأنّ الشّعب الجزائري،” كقراءة للوضع في الجزائر “، لم يخرُج ضد شخص (عبد العزيز بوتفليقة)، بل خرج مناهضاً للعهدة الخامسة، وهو ما يُثبت بأنّ الشّعب كان مُتسامحاً في العهدة الرّابعة، على أساس أنَّ (بوتفليقة) له ما له في السّياق السّياسي الجزائري من نهاية التّسعينات، باعتاره الشّخص الذي جاء بالوئام الوطني، وأنهى (العشريّة السّوداء) الدّمويّة، أيضاً في ظل طفرة السّيولة الماليّة، على اعتبار تزامن وجوده في السّلطة ، مع ارتفاع أسعار البترول والغاز، وهو ما ساهم إلى حدٍّ ما في نقص المديونية الجزائريّة، وانعكس أيضاً على مستوى استثمارات الدّولة الجزائريّة في الجانب الاجتماعي عبر تحسين البنية التّحتية والمساكن وغيرها …”.
و بخصوص المشروعية التّاريخية والنّضالية لـ(بوتفليقة)، و سياق الحراك الذي اندلع، يُعلّق “غالي”؛ بالقول أنّ “الشعب من خلال شعاراته يظهر على أنّهُ ضد النّظام أو المؤسّسة العسكرية –رُبّما- التي تمثّل الدّولة العميقة أو ما إلى ذلك، وهي من يستخدم (بوتفليقة) من أجل تمرير عدد من الأمور كواجهة لها حتّى تستمر وتجد البديل”.
“النّظام الحاكم هو الذي يتواجد تحت ضغط الزّمن (…)”، من هذا المنطلق يظهر أنه من المفروض أن تُستأنف الإنتخابات شهر أبريل القادم، ما يعني أنّ ضرورة البت في مسألة ترشُّح “بوتفليقة” من عدمه هي الفيصل، خصوصاً في ظل حالة من التّرقّب يُقابلها صراع الإرادات -حسب محمد غالي- ، أولها إرادة الشّارع والحراك في الجزائر، وأيضاً إرادة النّظام الحاكم”.
أمّا بخصوص مدى التّصعيد الذي يُترقّب من خلال خروج الشّعب الجزائري، احتجاجاً منهُ ضدّ العهدة الخامسة، فلم يلبث الدّكتور “غالي”، إلى أن ربط ذلك بأحداث ماضية لعلّها أسهمت في سلميّة الحراك الشّعبي، بالقول؛ “ولئلاّ ننسى أيضاً في قراءتنا للوضع في الجزائر، أنّه ما تزال الذّاكرة الجزائريّة الجماعية أو حتّى المغاربيّة، لم تنس هذه العشرية، عشرية الدّم والنّار والجمر التي مرّت، والتي تجعل الفرقاء الإثنين (الشعب والنّظام) يقومون بتصعيد، لكن شريطة ألاّ يذهبوا إلى أبعد الحدود في الإصطدام، حتّى لا تخرج الأمور من بين أيديهم”.
فضلاً عن هذا وذاك، تطرّق المتدخّل، إلى مسألة مهمّة، لا تقل شأناً عن سابقاتها، تلك المتعلقة بعفوية الحراك الجزائري، معبّراً بالقول؛ ” في حراك الجزائر القيادة غير معروفة، التي تُسيّر هذا الحراك، سواءٌ النّقابات أو الأحزاب أو تنسيقيّات أو ما إلى ذلك، وهو ما يبدو إلى حدٍّ ما، أمر عفوي راجع لقطاعات –رُبّما- أو لفئات مُتضرّرة من الوضع الإقتصادي والاجتماعي وأيضاً السّياسي، وهذا أيضاً يطرح تساؤلات حول مدى الإستمرارية ومدى البرنامج البديل الذي يطرحه هذا الحراك، بمعنى هل سيقف في حدود تغيير (بوتفليقة) أو عدم ترشّحه لولاية جديدة، أو قيام جمهورية جديدة في الجزائر على غرار الجمهورية الخامسة التي كانت في فرنسا أو في غيرها”.
فيما تبقى مسألة الحسم في هذا الحراك، أحد الأسئلة المركزية التي سلط عليها الباحث في القانون الدولي و العلوم السياسية الضوء، مؤكداً ؛ “الفيصل بالنّسبة للشّارع هو الميدان، وبالنّسبة للجهات الأخرى المُتحكّمة، هو انطفاء هذه الشّعلة ولا أعتقد ذلك، والبديل يبقى هو كما فعل ذلك بوتفليقة تأجيل الانتخابات، حتى تكون هناك مرحلة انتقالية لإعلان جمهورية جديدة –كما قلنا- بتوافقات جديدة وتعاقدات جديدة، بخطط جديدة ومشروعية جديدة، لأنه للأسف الحاكمين في الجزائر أو العسكر كما يُقال، استنزفوا الرّصيد النّضالي والتاريخي لجبهة التّحرير الوطني، بحيث أنّهم استمرّوا حتّى بعد انتهاء المشروعية، وبالتّالي لابد من البحث عن مشروعية جديدة ولن تكون إلاّ مشروعية ديمقراطية عن طريق صناديق الاقتراع والانتخابات المباشرة”.
من جهته، يرى الدّكتور “محمد الراجي” الباحث في حقل العلوم السّياسية و القانون الدولي ؛ أن القرار يبقى في المقام الأول و الأخير للشّعب الجزائري، الذي يمتلك الكلمة الفيصل في قبول ما جاء به الرّئيس (بوتفليقة) من تعديلات أو رفضها ، مضيفاً “يمكننا القول كمتتبّعين للأحداث الأخيرة، التي يعرفها المشهد السياسي الجزائري اليوم، بدءاً من إعلانه عن تأجيل الانتخابات و سحب ترشُّحه للرّئاسيّات المقبلة، إلى إعلان استقالة الحكومة وتنظيم ندوة وطنية جامعة يعقبها إعلان دستور جديد هو جزء من مطالب الشعب الجزائري، لكن هل ذلك يلبّي كل مطالب الشارع؟”.
وعقب طرحه للتّساؤل، حول ما إذا كانت الخطوات التي أقدم عليها النّظام الجزائري، كونها مقنعة أم لا، استطرد الدكتور “الراجي” بالقول؛ “ولعل أنّ الإجابة عن هذا السؤال، تفترضُ بالأساس دراسة آليات تنزيل هذه القرارات، وكأن النّظام في الجزائر من خلال هذه القرارات، كان فكره منشغلاً فقط بإسكات الشارع، و بالتالي محاولة تلبية مطالبه دون إلحاق أضرار ببنية الدّولة العميقة -إن صحّ القول- إذ كيف لوزير داخلية يمثّل العلبة السوداء للنّظام السّابق وأحد أبنائه البررة، أن يقود المرحلة الانتقالية، التي من المفترض أن تكون مرحلة أجرأة التغيُّرات، باعتبار أنها كانت نتاجاً لثورةٍ سلميّةٍ قادها الشّعب الجزائري ضد هذا النظام ورموزه”.
وفي ذات السّياق، استطرد المُتحدّث قائلاً؛ “بل كيف لمسؤول أمني أن يشرف على تنظيم ندوة وطنية ، تنتج دستور وطني بنفس تحريري وثوري ، وهو المثقل بعقلية خدمة النظام والحفاظ على أولوياته، ناهيك عن خيار النّدوة الوطنيّة، هل الجزائر حقّاً في حاجة لندوة أم لجمعية تأسيسة تحاول أن تصيغ دستوراً جديداً متوافق بشأنه، يُرضي من خرج للشارع، أم هي في حاجة لمجموعة من التّوصيات لم تُحدّد بعدُ، طُرق أجرأتها مسبقاً ولا حتّى أفقها الزّمني، وبالتالي سيدخل من آمن بها في متاهة ندوة تعقبها ندوات، ثمّ انتخاب لجان للأجرأة؛ وهو ما يعني بكل بساطة الدّخول في متاهة التّفكير البزطني من أجل إنتاج دستور يمكن أن يأتي أولا يأتي”.
ووفق ما تشهدهُ “الجزائر” من أحداث آنيّة، يخلص الدّكتور “الراجي”، إلى ” أن الأسس التي يمكن أن تسهل للجزائريين الخروج بسلام من الازمة الحالية، يمكن ان تتلخص بداية في تشكيل حكومة إتلاف وطني نابعة من إرادة الشعب، الذي خرج ليحتج على جعل “بوتفليقة” غطاء لتنفيذ سياسات العسكر ، وبالتالي يجب أن تعبر عن جميع أطيافه.
إضافة إلى ضرورة إحداث جمعية تأسيسية منتخبة ومتوافق بشأن القانون الذي يحكمها، قصد صياغة مشروع دستور وطني، يتمُّ عرضهُ لاحقاً على استفتاء شعبي، حيث تبقى الخطوة التي أعلن عنّها الرئيس المنتهية ولايته – الانسحاب من الإنتخابات – خطوة يجب أن تتبعها خطوات أخرى محدّدة بزمن، والأهم من ذلك أن تتبعها مباركة شعبية، لكون ما يميز النموذج الجزائري الحالي هو الطابع السلمي المتبادل بين الطرفين الدولة والشعب.
و فاق وجب أن يظل مستمرا ، ولعل خطاب تنحي بوتفليقة جاء في نفس هذا الأطار ، وإن كان متقدما خطوة إلى الامام دون جدولة زمنية واضحة ، وبرموز ، واسماء كانت في النظام القديم فهل يقبل الشعب الجزائري بمقترحاته ؟ أم لحراك السلمي بالجزائر كلمة اخرى ؟