شكّلت سنة 1988، مُنعطفاً تاريخيّاً في مسار ملف الصّحراء، حينها أقرّت منظمة الأمم المتحدة بموجب قرار مجلس الأمن رقم (621)، عملية وقف إطلاق النّار، مؤيِّدةً بذلك مُختلف الجُهود الجانحة إلى السّلم.

و بالنّص؛ أكّدت المُنظّمة تزكيتها جهود الأطراف، داعيةً أمينها العام آنذاك؛ البيروفي “خافيير بيريز دي كوييار”، إلى تسمية أول مبعوث شخصي لهُ، مكلّفٍ بقيادة جهود تسوية الملفّ بالطّرق السلميّة.

وبخصوص التّعيين الذي سيتأخر بعدها بسنتين، سيحمل الدبلوماسي السويسري “جوهانس مانس” لمنصب أول ممثل خاص بقضية الصحراء بتاريخ أبريل 1990، العام ذاته الذي سيلتئم فيه جمعٌ مؤلّفٌ من 38 شيخاً من شيوخ قبائل الصحراء، من بينهم 19 فرداً قادمون من الأقاليم الصّحراويّة؛ لتحديد معايير اختيار من يحق له التصويت في استفتاءٍ، لن يرى النّور بسبب خلافاتٍ كبيرةٍ بين الأطراف المتنازعة، تبدأ بتفسير الشروط المطلوبة في الناخبين، ولا تنتهي لبنية اللّوائح المُخرجة من عمليّةٍ، ستُعلن الأمم المتّحدة احتضارها لاحقاً سنة 2000.

هي ذاتها السّنة التي حلّ في أواسطها، “محمد السادس”، في زيارة هي الأولى من نوعهل للأقاليم الجنوبية كملكٍ للبلاد، تلك التي ستحمل تحوُّلاً بارزاً، بُعيد جولةٍ أولى من التّفاوض بالعاصمة البريطانية “لندن”، شهر يونيو تحت إشراف الأمم المتّحدة، سيُعلن المغرب في نهايتها، استعداده للبحث عن حل سياسيٍّ تفاوُضيٍّ مُتّفقٍ عليه.

عجلة الامم المتحدة تدور، ولكن بصفة جدّ مُتباطئة، عام بعد ذلك سيُقدّم المبعوث الشخصي آنذاك “جيمس بيكر”، إطار اتّفاقٍ مبنيٍّ على مُبادرةٍ فرنسيّةٍ أمريكيّةٍ لتسوية النّزاع، في إطار السّيادة المغربيّة، لن يحوز على التوافق من الجانب الجزائري الذي سيراسل مباشرةً، الأمين العام بتاريخ 22 ماي، مُعبّراً عن رفضه للإطار.

مما حذا بـ “بيكر” التهديد باستقالته؛ مالم يدعم مجلس الأمن مُخطّطه الذي حظي بتأييدٍ مغربي، قبل أن يَحصُر “كوفي عنان” أفُقَ الحلِّ في أربع خيارات، أمَـرُّها سحب الأمم المتّحدة لمراقبيها العاملين بـ”الصحراء”، منذ 11 سنة وتَركِ الأطرافِ المعنيَّةِ و شأنَها.

https://www.youtube.com/watch?v=OResk3hmrKQ

سياقاتُ التّقاطب، ستتوالى مع تعاقُب الوجوه التي تستلم زمام جهود الأمم المتّحدة على الأرض، مروراً بـ “بيتر فالسوم” الذي نجح في تنظيم آخر جولةِ مفاوضاتٍ سنة 2007، بضاحية “مانهاست” في “نيويورك”، ووصولاً إلى الحساسيّاتِ التي أثارها اختيار “كريستوفر روس”، الذي أعلنه المغرب أوائل سنة 2015، مُمثلِّاً غيرَ مرغوبٍ فيهِ، بِناءً على ما اعتُبِـر آنذاك تحيُّزاً واضحاً لطرفٍ دُون آخر.

اليوم، و بعد أزيد من ثلاثين عاماً على دخول منظومة الأمم المتحدة لمعمعة هذا النّزاع، الذي يُعتبر من وجهة النّظر المغربية على أنّهُ مُفتعل، في علاقة ثنائيّةٍ بين جارين ما يجمعهما أكثر بكثيرٍ ممَّا يُفرّقهُما، يُديرُ “كوهلر” الدَّفَّـةَ منْ جديدٍ نحوَ لقاءاتٍ مُباشرة، بأجَندَةٍ يعتبرُها المُتابعون، سيراً نحو أطُرٍ اقتصادية أكثر منها سياسية، يدخل في سياقها على الخطّ الاتحاد الأوروبي، فيما تُراقب “موريتانيا” ضغوط “الولايات المتّحدة” الرافضة لتكلفة أي تمديد لبعثة المينورسو أكثر من ستة أشهر، في حالةِ ترقُّبٍ تَسِمُها تباعُداتٌ وتقارُباتٌ، بين “الرباط” و”نواكشوط”، بشيءٍ منَ الحَذرِ وعدَمِ وُضوحِ المواقف.

ويبقى السُّؤالُ المطروحُ، حول مآل لقاءات “جنيف”؛ أتفُكُّ “مدينة السّلام” شفرةَ ما عجَزتْ عنهُ في الأزمات السُّوريّةِ و الأفغانيَّة، أمْ تنْضافُ كرقمٍ جامِدٍ لمسارِ نزاعٍ تحكُمهُ بلا شك، مُحدّداتٌ فوقَ السِّياسية ؟