عاد ملف الصّحراء المغربيّة إلى السّاحة البرلمانيّة الفرنسيّة، حيث أثار تعليق خريطة جديدة داخل قاعة لجنة الشّؤون الخارجيّة، تضم الصّحراء المغربيّة كجزء من التّراب الوطني للمملكة، جدلاً حادًّا أظهر تحوّلات في الموقف الرّسمي الفرنسي تجاه القضيّة. هذه التّحوّلات توازت مع استمرار بعض الأصوات المعارضة التي تتمسّك بمواقف تقليديّة تتعارض مع السّياقات الدّبلوماسيّة الحديثة، وهو ما تعتبره مصادر دبلوماسيّة مغربيّة “مناورات غير مؤثّرة تُتابعها الرباط عن كثب”.

وكان الحدث، الذي بدا في البداية بسيطًا من النّاحية التّقنيّة، قد تحوّل بسرعة إلى قضيّة سياسيّة ملتهبة بعد اعتراض النّائب الشيوعي جان-بول لوكوك، المعروف بمواقفه الدّاعمة للبوليساريو وللرّؤية الجزائريّة في النّزاع. حيث اعتبر أنّ الخريطة الجديدة، التي تُظهر الصّحراء المغربيّة ضِمن المملكة، تُمثّل اِنحيازًا للموقف المغربي وتجاوزًا لما اعتبره “الإحترام التّقليدي للقانون الدّولي”.

لوكوك اِتّهم رئيس لجنة الشّؤون الخارجيّة، النّائب جون لوي فوش، باتّخاذ هذا القرار بشكل فردي دون الرّجوع إلى باقي أعضاء اللّجنة أو النّواب. وقد حصلت مداخلته على دعم من النّائبة اليساريّة كليمانتين أوتان.

ورغم هذه الإعتراضات، يُؤكّد الخبراء أنّ البرلمان الفرنسي، وعلى وجه الخصوص الجمعيّة الوطنيّة، ليس من صلاحياته اتّخاذ مواقف رسميّة في قضايا الإعتراف الدّولي، وبالتّالي، فإنّ مواقف مثل تلك التي عبّر عنها لوكوك تظل فرديّة ولا تغيّر من حقيقة أنّ فرنسا قد اعترفت رسميًّا بسيادة المغرب على الصّحراء.

وفيما يُنظر إلى الخريطة المُعلّقة كأمر إداري بسيط، فإنّ المتتبّعين يرون أنّها تحمل دلالات رمزيّة قويّة، خاصّةً في ضوء التّحوّل الواضح في سياسة فرنسا، التي كانت تتبنّى موقفًا محايدًا لسنوات طويلة. هذه التّحوّلات تأتي في سياق زيادة وضوح المواقف الدّوليّة تجاه قضيّة الصّحراء، وهو ما يشير إلى نهاية مرحلة من التّردّد السّياسي في العلاقات الفرنسيّة المغربيّة.

من جانبه، صرّح مصدر دبلوماسي مغربي أنّ الرباط تتابع تطوّرات هذا الملف عن كثب، مشيرًا إلى أنّ المغرب لا يقبل بالتّعامل مع الشّركاء على أساس مواقف رماديّة بل يطالب بالوضوح الكامل في مواقفهم السّياسيّة. وأوضح المصدر أنّ تعليق الخريطة في البرلمان الفرنسي هو مؤشّر على انتقال فرنسا من مرحلة التّوازنات الغامضة إلى تبنّي مواقف أكثر وضوحًا بشأن النّزاع.
التّحوّلات في المواقف الدّوليّة، بما في ذلك موقف فرنسا الأخير، تندرج ضمن تغيّرات كبيرة في المشهد السّياسي الفرنسي، حيث يسعى الرّئيس إيمانويل ماكرون والحكومة الفرنسيّة إلى تعزيز العلاقات مع المغرب في مختلف المجالات، بما في ذلك التّعاون الأمني والإقتصادي.

إجمالًا، يرى مراقبون أنّ مواقف اليسار التّقليدي الفرنسي، التي أبرزها لوكوك، أصبحت أقل تأثيرًا في السّياسة الخارجيّة للبلاد، في ظل المتغيّرات الجيوسياسيّة الحاليّة التي تعكس تزايد التّعاون بين فرنسا والمغرب.

ورغم الجدل الذي أثارته الخريطة، يُلاحظ أنّ المغرب لم يُصدِر أي رد رسمي بعد، إلّا أنّ هناك قناعة بأنّ فرنسا قد تجاوزت مرحلة الحِياد في قضيّة الصّحراء، وأنّ هذا التّحوّل قد أصبح ملموسًا في السّياسات الرّسميّة الفرنسيّة.