في أعماق الجنوب الغربي للجزائر، حيث الصّحراء لا تعرف إلّا الصّمت والغبار، تعيش مخيّمات تندوف على وقع مشهد إنساني قاتم، يتجاوز كل شعارات النّضال التي رفعتها جبهة البوليساريو لعقود. ففي تقرير صادم نشرته مجلة “جون أفريك” الفرنسيّة، سلّط الصّحفي الموريتاني مبارك ولد بيروك الضّوء على واقع مأساوي يُخيّم على ساكنة هذه المخيّمات، التي تحوّلت إلى سجن مفتوح لجيل وُلد من رحم نزاع لا ناقة له فيه ولا جمل.

جيل بلا قرار .. ومخيّمات بلا مُستقبل

أبناء المخيّمات، اليوم، لم يعيشوا يوماً خارج أسوار العزلة. وُلدوا في بيوت طينيّة وتحت خيام بالية، وشبّوا على تقاسم الصّهاريج وشُحنات الغذاء الأمميّة. لم يعرفوا إلّا الإنتظار، ولم يُستشاروا في قضيّة يتم تسويقها باسمهم. جيل صامت، لكنّه يحمل في داخله خيبة بحجم صحراء لحمادة، حيث “لا حرب ولا سِلم” صارت لعنة يوميّة.

سُلطة مُستبِدّة وظلال ميليشيات

ليست حياةُ اللّاجئين في تندوف بيدهم، بل تخضع لقبضةٍ من حديد تمسِكها قيادة البوليساريو، وفق التّقرير، حيث تُدار الحياة اليوميّة بشبكة من المراقبة، وتُفرض التّصاريح حتى للتّنقّل. أمّا من حالفه الحظ، فقد غادر نحو موريتانيا أو الجزائر أو أوروبا، هارباً من واقعٍ عبثي لا يرحم.

قادة يسرحون في العواصم .. وشباب يُهرّب الغذاء

بينما تنغمس القيادة في سفريّات وممتلكات بالخارج، يُجبر شباب المخيّمات على ابتكار سُبُل للعيش، أبرزها التّهريب نحو مناطق حدوديّة كموريتانيا. ولم يعُد أحدٌ يُصغي لقناة البوليساريو، سوى بعض الشّيوخ الذين لا يزالون يؤمنون بـ”دولة مستقبليّة”، لا أحد يراها تلوح في الأفُق.

الجزائر تفقِدُ الأمل .. والمغرب يُرسّخُ الواقع

في شهادة منشقٍّ عن الجبهة، يكشفُ التّقريرُ عن تصريحات لمسؤول جزائري أقرَّ فيها بأنّ أيَّ حُلم بالإنتصار على المغرب صار من الماضي. الجزائر نفسُها، وفق “جون أفريك”، باتت تُدركُ أنّ دعمها للبوليساريو بات عِبْئاً عليها، وأنّ دورها الطّبيعيَّ هو الدّفع نحو السّلام والتّنمية لا الإستنزاف الإقليمي.

الحُكم الذّاتي .. حل واقعي وشامل

المجلّة شدّدت على أنّ المغرب، الذي يعتبر وحدته التّرابيّة “قضيّة وطنيّة”، قدّم حلاًّ واقعيًّا يتمثّلُ في مبادرة الحُكم الذّاتي، التي تمنح الصّحراويّين صلاحيات واسعة، دون المساس بسيادة الدّولة، ما يُمثّل مخرجاً مشرّفاً لمن يُريد طيَّ صفحة الوهم، والإنخراطَ في مشروع بناءٍ مُشترك.