في تحرّك برلماني يكشف عن عمق التوتر حول سياسة الدعم الحكومي لاستيراد المواشي، أعلنت فرق المعارضة بمجلس النواب عن مبادرة دستورية لتشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق، بهدف الغوص في تفاصيل ومآلات هذا الدعم الذي أُطلق منذ أواخر 2022 واستمر حتى موسم عيد الأضحى 2024.
وتأتي هذه الخطوة في سياق موجة انتقادات حادة طالت التدابير الحكومية، خاصة ما يتعلق بالإعفاءات الجمركية والدعم المالي المباشر، وسط تساؤلات حول مدى استفادة المستوردين الحقيقيين من هذه الإجراءات، وما إذا كانت قد أسهمت فعليًا في تخفيف الأعباء عن المواطن المغربي، أم أنها صبت في مصلحة قلة محظوظة.
المعارضة، الممثلة في مكونات من الفريق الحركي، وفريق التقدم والاشتراكية، والعدالة والتنمية، اعتبرت أن مبادرتها ترمي إلى الكشف عن الحقيقة الكاملة بخصوص الأثر الاقتصادي والاجتماعي لهذا الدعم، ومدى احترام معايير الشفافية والعدالة في توزيعه. كما شددت على ضرورة التحقق من مدى التزام الحكومة بالقوانين المنظمة لهذه العمليات، والتأكد من أن الأموال العمومية وُظّفت وفق ما يخدم الصالح العام.
في هذا السياق، أثارت المبادرة أسئلة دقيقة حول حجم المبالغ المرصودة، وعدد المستوردين المستفيدين، ومدى تأثير هذه السياسات على الميزانية العامة، خصوصًا مع تباين وجهات النظر بين من رأى في هذه الخطوات ضرورة لتأمين السوق في ظل ظروف مناخية صعبة، ومن اعتبرها تكريسًا لفوضى المحاباة وتضارب المصالح.
وزارة الفلاحة، من جانبها، حاولت تبديد الشكوك بتقرير مفصل يحدد قيمة الدعم الإجمالية في 437 مليون درهم على مدى سنتين، مشيرة إلى أن الهدف كان تلبية الطلب خلال موسم الأضحى وضمان استقرار أسعار اللحوم الحمراء. كما أكدت الوزارة أن تعليق الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة لم يؤثر على ميزانية الدولة، بل كان منسجمًا مع جهود دعم القدرة الشرائية في ظل الأزمة الاقتصادية.
لكن هذه التطمينات لم تُلغِ تساؤلات المعارضة، التي اعتبرت أن جوهر الإشكال يكمن في مدى مصداقية الأرقام وأثر هذه التدابير على باقي الفاعلين في القطاع. ومع بروز تقارير عن تفاوتات كبيرة في الاستفادة، يظل الرهان معلقًا على اللجنة النيابية لتقديم إجابات واضحة ومُحكمة للرأي العام، قد تصل إلى القضاء إذا ما تبيّن وجود مخالفات قانونية.
فهل ستُفضي هذه التحقيقات إلى كشف خيوط دعم مثير للجدل؟ أم أنها ستنتهي مثل غيرها من المبادرات ببيانات عامة دون محاسبة واضحة؟ الأكيد أن أعين المواطنين تترقب كشف المستور، ومعه محاسبة أي انزلاق في تدبير المال العام.