لوحت الحكومة الجزائرية، مؤخرا، بالعودة إلى فرض الحجر الصحي الكلي أو الجزئي، إضافة إلى فرض قيود على الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية في حال تفاقم الوضع الصحي المتعلق بجائحة كورونا في البلاد، وهو ما قد يعيد الحياة الاقتصادية إلى نقطة البداية بعد أربعة أشهر من الرفع التدريجي للنشاط الاقتصادي والتجاري.
ولم تستبعد السلطات الجزائرية العودة إلى الحجر الصحي بكل ما فيه، إثر ارتفاع ملحوظ لأرقام الإصابات بفيروس كورونا المستجد، وهو الأمر الذي لم تقرأه الحكومة بعين الرضا خصوصا بعد أسابيع من التحكم الملحوظ في الوضع الوبائي خلال شهري أغسطس وسبتمبرالماضيين.
وعلى هذا الأساس، قرر الوزير الأول الجزائري، عبد العزيز جراد، تحديث قائمة الولايات الـمعنية بتدابير الحجر الجزئي المنزلي، ابتداء من يوم الخميس الماضي.
في هذا السياق، ذكرت الحكومة الجزائرية في بيان لها أنها “لاحظت تراخيا في اليقظة من شأنه ألا يساهم في التحكم في الوضع الصحي الذي ما يزال مرهونا بانضباط كل واحد منا لتجنب تدهوره، واحتمال اللجوء إلى تدابير أخرى للحجر الـمنزلي الكلي أو الجزئي أو إلى فرض قيود على الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية”.
ولتفادي العودة إلى فرض الحجر الكلي أو حتى الجزئي، لم يبق أمام المواطنين حسب الحكومة إلا التحلي بالحذر ومواصلة التجند والصرامة في تطبيق كافة تدابير الحماية والتباعد الجسدي والنظافة للقضاء على هذا الوباء.
أبدى عدة تجار وأصحاب مهن حرة تخوفهم من العودة إلى تعليق النشاطات الاقتصادية مثلما كان عليه الحال في الفترة من مارس حتى يونيو، حيث تم وقف عدة أنشطة اقتصادية بسبب الجائحة لأكثر من ثلاثة أشهر، مما أدخلهم في فترة مالية صعبة، لم تمر إلا بعد الاستئناف التدريجي للنشاط التجاري، خاصة أن أغلبهم يعيلون عائلات بسيطة.
ولاحظ عدة تجار ومتعاملين اقتصاديين أن هناك إشارات لاحتمال عودة الغلق الاقتصادي، نظرا للظروف الصحية التي تمر بها البلاد، مما جعلهم يؤكدون على ضرورة حماية المؤسسات ومناصب الشغل قبل أي أمر آخر.
وعبر رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين، الحاج الطاهر بولنوار عن تخوفه من وقف النشاطات التجارية مرة أخرى، وقال بولنوار في تصريح له: “لا نتمنى العودة إلى حجر الحياة الاقتصادية لأن هذا الأمر سيضر بالتجار الذين عانوا وما يزالون يعانون من آثار الغلق المباشر منذ مارس الماضي”.
واقترح ممثل التجار والحرفيين، تشديد الإجراءات الوقائية لمكافحة وباء كوفيد19 من دون العودة إلى وقف النشاط التجاري الذي يشغل آلاف الجزائريين، وأبرز بولنوار قائلا: “هناك دول متضررة أكثر منا وواصلت السماح بالنشاط الاقتصادي فيما ركزت على شروط الوقاية”. مشددا على أن الأصل في مكافحة وباء كورونا هو الوقاية وليس إغلاق المحلات التجارية حتى لا يكون الضرر مضاعفا.
وتشير بعض المعطيات والأرقام إلى أن 90 بالمائة من التجار والحرفيين في الجزائر تضرروا من جراء توقيف النشاطات الاقتصادية والتجارية منذ مارس الماضي، خصوصا أن هناك عدة أنشطة ما تزال مغلقة ولم تستفد من العودة التدريجية كالحمامات وقاعات الحفلات والرياضة ومدارس تعليم اللغات والنشاط الجوي.
وفي يونيو الماضي، وضعت الحكومة الجزائرية خارطة طريق لرفع الحجر الصحي واستئناف الأنشطة الاقتصادية تدريجيا، في مسعى لوضع نهاية للتدابير التي أقرتها منذ منتصف مارس الماضي لمواجهة وباء كورونا المستجد، خاصة إثر التراجع الكبير في أرقام الإصابات بالفيروس.
وتضمنت الخارطة استئنافا تدريجيا للنشاط الاقتصادي والتجاري على مرحلتين، الأولى ابتداء من 7 يونيو باستئناف بعض الأنشطة التجارية مثل صالونات الحلاقة للرجال، وبيع الوجبات السريعة والمشروبات والحلويات من دون استهلاكها في المحلات، إضافة إلى أنشطة أخرى، مثل وكالات السفر وأسواق الماشية التي تزامنت مع مناسبة عيد الأضحى.
في حين أن المرحلة الثانية كانت ابتداء من 14 يونيو الماضي، وشملت عودة نشاط المطاعم، والنقل بسيارات الأجرة.
ويبدو أن التجار والمهنيين البسطاء لا يريدون الإغلاق الاقتصادي الشامل، خاصة أنهم ما زالوا يعانون الخسائر المالية من جراء توقف نشاطهم في الفترة الأولى عند ظهور الوباء في الجزائر.
وذكر مصادر جزائرية، أن ممثلي التجار وأصحاب المهن؛ وعلى رأسهم جمعية التجار والحرفيين، ستنظم في الأيام المقبلة حملة توعية من أجل مضاعفة جهود الوقاية من الفيروس.
وستركز الحملة على دعوة التجار إلى الالتزام بالتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات وغسل الأيدي للتأكيد بأنهم واعون بالمسؤولية في هذا الظرف الصحي الصعب.
يرى بعض الخبراء الاقتصاديين أن العودة إلى الإغلاق، في الظرف الحالي، قد تكون له تداعيات “سلبية” على جيب المواطن ذي الدخل المحدود؛ خاصة التجار البسطاء وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
وأكد الخبير الاقتصادي والمستشار الدولي، عبد المالك سراي، أن العودة إلى فرض القيود على الأنشطة الاقتصادية في الفترة الحالية “سيكون له تأثير كبير على أصحاب النشاطات التجارية الصغيرة”.
وأضاف أن هذا التأثر “ستتراوح نسبته بين 30 إلى 35 في المئة، خاصة لدى الشركات الصغيرة والمتوسطة بسبب نقص السيولة”.
وتوقع الخبير الدولي، عبد المالك سراي، تراجع الوضع الاقتصادي وسط للفئات الاجتماعية الهشة بسبب جائحة كورونا، رغم كل ما خصصته الدولة من ميزانية لمواجهة التداعيات السلبية للوباء على النشاط الاقتصادي.
ورجح سراي خسارة المزيد من الوقت بخصوص مسألة النمو، قائلا أننا “سنسجل نسبة نمو ضعيفة جدا مع نهاية السنة الحالية 2020”.
وسجلت القطاعات الاقتصادية في الجزائر، وعلى رأسها النقل والسياحة والمطاعم والفندقة إضافة إلى قطاع الطاقة، (سجلت) خسائر مالية بسبب إجراءات الوقاية من كورونا، خلال الفترة الأولى من الإغلاق ، وقدرت خسائر الشركات العمومية فقط حسب وزير المالية، أيمن بن عبد الرحمن بما يفوق 879 مليون أورو.