على مدار الأسابيع الماضية، وبالتزامن مع توزيع المجلس الوطني للصحافة البطاقات المهنية، ظهرت لنا فئة من الناس تحتفل بهذه البطاقة كما لو أنها البطاقة الرابحة في اليانصيب، أو كأنها شهادة تأمين مدى الحياة. أما عن المقربين والمعارف على مواقع التواصل أو في الواقع، فقد أصبح شغلهم الشاغل من حصل على البطاقة ومن لم يحصل عليها.

قد تقول يا عزيزي القارئ، انطلاقًا من الأسطر السابقة، إن لي باعًا طويلًا في هذه المهنة، أو أن رأسي قد شاب وأنا أبحث عن المتاعب في هذه المهنة. دعني أبشرك: لا هذا ولا ذاك. الحقيقة أنني لم أتجاوز السنتين منذ بدأت ممارسة مهنة الصحافة بكل حب وشغف، ولم أحصل على البطاقة بعد.

أعرف فيما تفكر الآن.” هدا مالو… يخ منو وعيني فيه” قد تكون محقًا، ولكن مهلا! لا تتسرع.

الصحافة هي مهنة المتاعب والتضحيات. والصحفي هو رمز من رموز المقاومة والإبداع، لا تخضعه الدراهم ولا التحديات

صحيح أن البطاقة المهنية مهمة، فهي تمنح حاملها صفة قانونية لمزاولة عمله، وتُسهّل عليه مجموعة من الأمور، كما تعطيه امتيازات كثيرة. لكن البطاقة لن تجعلك صحفيًا دون قلم جريء، مبدع، متقن لفنون الكتابة، وعارف بعلوم اللغة وأصولها.

أن تكون صحفيًا، أيها الصحفي المستقبلي (وأخاطب نفسي معك)، بالإضافة إلى المكتسبات الأكاديمية، عليك أن تكون طليعًا في السياسة المحلية، الجهوية، الوطنية، والدولية. أن تكون مطلعًا على الاقتصاديات الدولية والثقافات العالمية، ناهيك عن التاريخ العميق والعالم الرياضي… زد على ذلك الإبداع، الإتقان، والمهنية. فما فائدة أن تكون صحفيًا إذا كان عملك كله مجرد نسخ بالنقطة والفاصلة؟

إن تمكنت من كل هذا، أو على الأقل كانت لديك دراية جيدة به، وحصلت على تلك البطاقة للمرة الأولى، فمن حقك أن تفرح بها. لكني أعجب من أشخاص يسمون أنفسهم صحفيين، يتباهون بتلك القطعة الكرتونية، يلاحقون تغطيات مقابل مئة أو أربع مئة درهم، وفي أحسن الأحوال يلاحقون مصالحهم الشخصية. وفي النهاية، يصبحون مسبة على ألسنة الداني والقاصي.

زد على كل هذا الخُلُق الدنيء والبذيء. رأس مال الصحفي هو سمعته وأخلاقه، وللأسف، يبيعونها بدراهم معدودات.

لا تظن يا عزيزي القارئ أنني أمقت كل الصحفيين. إن فعلت ذلك، فسأصبح من أولئك… لكن هناك صحفيون نزيهون قدموا لهذه المهنة الغالي والنفيس، ولهم فضل كبير على المهنة وعلي بشكل شخصي لا يُنسى.

الخلاصة يا عزيزي القارئ: هذه المهنة لم ولن تكون مجرد عملية نقل للخبر أو التقاط بضع صور بمقابل مادي. الصحافة هي مهنة المتاعب والتضحيات. والصحفي هو رمز من رموز المقاومة والإبداع، لا تخضعه الدراهم ولا التحديات. أتمنى أن أكون يومًا من نجوم الإعلام الذين يُحتذى بهم.

لا أطيل عليك يا عزيزي القارئ: “كل ساقٍ سيسقى بما سقى، ولا يظلم ربك أحدًا.”