تمكّن باحثون أخيرًا، من البدء في إيجاد روابط بين تركيب الميكروبات واضطرابات النّمو العصبي، وكشفت النّتائج أنّ اضطراب طيف التّوحّد يرتبط بتغيّرات مميّزة في تكوين ووظيفة مجموعة واسعة من الكائنات الحيّة الدّقيقة المعويّة.

وعلى ضوء ذلك، نشرت دوريّة Nature Microbiology الدّراسة التي تمهّد نتائجها الطّريق لتطوير إختبار تشخيصي دقيق لحالات التّوحّد، حيث تبيّن أنّ الدّور المركزي للميكروبيوم في تنظيم محور الأمعاء والدّماغ والتّأثير في الصحّة، اِكتسب أهميّة كبيرة في العقد الماضي.

ذات الدّراسة، أظهرت أنّ الأمعاء تتواصل مباشرة مع الدّماغ، وبالتّالي ربّما تساهم في تطور إضطراب طيف التّوحّد.

وقرّر الباحثون تبنّي تلك الفرضيّة، حيث أجري تحليل ميتاجينومي لعيّنات براز لما مجموعه 1627 طفلاً، تتراوح أعمارهم بين عام واحد و13 عامًا.

وتدرس الميتاجينوميات بنية ووظيفة الكائنات الحيّة المتنوّعة وراثيًّا الموجودة في عيّنة كبيرة، مثل البكتيريا والفيروسات والفطريّات والعتائق، وهي كائنات وحيدة الخليّة تفتقر إلى النّواة.

وعند مقارنة الباحثين للتّغيّرات في تنوّع ميكروبات الأمعاء بين الأطفال الطّبيعيّين وأولئك المصابين باضطراب طيف التّوحّد، اِكتشفوا أنّ القسم الثّاني من الأطفال أظهروا إنخفاضًا في تنوّع العتائق والبكتيريا والفيروسات. في حين اِنخفضت الوفرة النّسبيّة لـ 80 من أصل 90 نوعًا ميكروبيًّا تمّ تحديدها بشكل ملحوظ لدى الأطفال المصابين باضطراب طيف التّوحّد مقارنةً بالأطفال الطّبيعيّين.

في ضوء هذه المعلومات الميتاجينوميّة، طوّر الباحثون لوحة ميكروبيّة مكوّنة من 31 علامة، وتمّ اِستخدام نموذج التّعلّم الآلي لاختبارها.

وكشفت النّتائج عن أنّ اللّوحة الميكروبيّة ساعدت على تشخيص إضطراب طيف التّوحّد بدقّة عبر مختلف الأعمار والجنسيْن والسّكّان والمواقع الجغرافيّة، وبشكل أفضل بكثير من اِستخدام نوع واحد من الكائنات الحيّة الدّقيقة، مثل البكتيريا.

وقال الباحثون، إنّه سبق الكشف عن الأدوار الحاسمة للكائنات الحيّة الدّقيقة غير البكتيريّة، مثل العتائق والفطريّات والفيروسات، في محور الأمعاء والدّماغ.

ولكن في هذه الدّراسة، تمّ إجراء تحليل شامل للميكروبيوم متعدّد الممالك والوظيفي باستخدام أكثر من 1600 جينوم عبر 5 مجموعات مستقلّة من الأطفال. وتمّ إظهار أنّ الأنواع القديمة والفطريّة والفيروسيّة ومسارات الميكروبيوم الوظيفي يمكن أن تفصل أيضًا الأطفال المصابين باضطراب طيف التّوحّد عن الأطفال الذين يُعتبرون طبيعيِّين. وتم الإثبات أنّ النّموذج القائم على لوحة من 31 علامة متعددة الممالك، حقّق قِيَمًا تنبؤيّة عالية لتشخيص إضطراب طيف التّوحّد.

إلى ذلك، أكّد الباحثون أنّ دراستهم تمهّد الطّريق لتطوير إختبارات تشخيصيّة لاضطراب طيف التّوحّد في المستقبل. وشدّدوا على أنّ هناك حاجة إلى مزيدٍ من الدّراسات للتّحقيق في التّفاعل بين العلامات الجينيّة المعروفة لاضطراب طيف التّوحّد ولوحات الميكروبيوم، لمعرفة ما إذا كان من الممكن تحسين دقّة التّشخيص، بحيث يمكن تشخيص إضطراب طيف التّوحّد في وقت مبكّر.