ككل عام، وتمجيدا منهم لأسطورة عشق أبدية، حلّ المئات من سكان القبائل الأمازيغية المجاورة ببلدة إملشيل السياحية لإحياء موسم “أكدود سيدي أحماد والمغنّي”، المعروف بـ”موسم الخطوبة”، الذي ينعقد بتراب جماعة بوزمو، لعقد قران العشرات من الأزواج الشباب، وعرض مختلف المنتجات المحلية.
ويعدُّ موسم سيدي أحماد والمغنّي، أو “السوق العام”، وفق تعبير الساكنة المحلية، فضاء عاما لتسويق وترويج المنتجات المحلية وإحياء طقوس تقليدية وتثمين التراث اللامادي لقبائل منطقة آيت حديدو الأمازيغية، التي رابطت بالمنطقة منذ القرن 17 وعُرفت بمقاومتها الشرسة للاستعمار الفرنسي.
وما يميز هذا السوق العام، الذي يبعد عن مركز إملشيل بحوالي 22 كيلومترا، عن باقي المواسم والمهرجانات، كونه موعدا سنويا لإنجاز عقود الزواج، وعرض الإبل والبغال والحمير والمواشي للبيع إلى جانب مختلف السلع والمنتجات التي تصنعها نساء قبائل آيت حديدو، خاصة منها الجلابيب والزرابي المصنوعة من الصوف التي تبقى لها فرادة استثنائية.
الطابع التجاري للموسم لا يقلل من الغاية المثلى التي من أجلها تخلد القبائل المجاورة لبلدة إملشيل هذا الحدث منذ ستينات القرن الماضي، والتي تلخصها أسطورة الحب العفيف بين شاب من قبيلة آيت إبراهيم وفتاة من قبيلة أيت عزة، ولا يمس بكرامة الزيجات ولا يدخلهن ضمن قائمة السلع المعروضة.
يقول الداعمت محمد، رئيس جمعية مهنيي السياحة الجبلية بإملشيل: “المؤسف أن بعض الزوار أو المتتبعين للمهرجان يعتبرون الموسم محطة لعرض الفتيات للبيع كباقي السلع، وهذا اعتقاد عار من الصحة ولا محل له من الإعراب عند قبائل أيت حديدو ولدى باقي القبائل المجاورة لإملشيل”، لافتا إلى أن “الموسم تأسس أصلا للاحتفاء بالحب العذري ونبذ الأخلاق التي لا تتماشى وتقاليد وأعراق المنطقة”.
وأشار الداعمت إلى أن قبائل آيت حديدو كانت تتوفر منذ فجر الاستقلال على عدول وقاض ولم تعرف منذ ذلك الوقت الزواج العرفي، مضيفا أن “القران” كان يعقد خلال الموسم أو قبله بقليل، ولم يسبق لفتيات المنطقة أن جلسن جنبا إلى جنب في صف واحد ليأتي العرسان أو الزوار لاختيارهن كما يعتقد بعض الناس إلى حد الساعة.
وأضاف المتحدث، المهتم بالإيكولوجيا والتراث المستدام بالمنطقة، أن “تقاليد الزواج بين عائلات القبائل الأمازيغية المحلية لا تختلف عن نظيرتها بباقي مناطق المغرب، بحيث تجرى كل الطقوس المتعارف عليها بين الزوجين قبل أيام وأحيانا قبل شهور من انعقاد الموسم، وما يتم خلال هذا الأخير هو كتابة عقد القران فقط”.
ونفى الناشط الجمعوي ذاته ما يروج حول عرض الفتيات بالسوق العام، أو تزويجهن قبل بلوغ سن الزواج، مبرزا أن السلطات هي التي تتكفل بالعملية برمتها، مؤكدا أن موسم “أكدود” لا يهدف فقط الى تحريك الاقتصاد المحلي، إنما “هو أيضا موعد بأهداف متعددة ذات طابع اجتماعي وديني وثقافي يبتغي ترويج هذا التراث المحلي وتسويقه وطنيا ودوليا”.
من جانبه، أبرز أشرويض أحماد، أن “العريسين يلتقيان في خيمة مفتوحة لإنهاء مراسم الزواج الجماعي الذي تتكفل السلطات بمصاريف وثائقه الإدارية، ضمن طقوس تقليدية، حيث يجلس العريس الذي يرتدي جلبابا أبيض جنب عروسه المتشحة بزي تقليدي أمازيغي، في وقار واحترام، تعبيرا منه عن بلوغ سن الزواج وقدرته على بناء بيت الزوجية وفق سنة الله وشرعه”.
كما دعت إلى “توفير المرافق الصحية بساحة الموسم، وخلق لجنة للبيئة لتدبير النفايات قبل وبعد انعقاد الموسم، وفتح قنوات التواصل عبر القنوات الوطنية والدولية وإخراج البرنامج قبل 3 أشهر، مع إعطاء الأولوية للفرق الفنية التقليدية المهتمة بالتراث الشعبي التي من شأنها إعطاء قيمة مضافة للموسم، من أجل اشعاع أكبر لمهرجان متفرد يسعى إلى الحفاظ على طقوس وعادات اجتماعية”.
وطالبت الفعاليات المذكورة بـ”عقد قران الأزواج في الخيمة الرسمية بساحة سيدي أحماد والمغنّي، وعدم السماح بالتسوق من سوق الدواب والإبل وباقي الحيوانات إلى حين بلوغ اليوم الأول من افتاح الموسم”، وسجلت غيابا في الإشهار والتواصل مع الجمعيات المهتمة بالشأن السياحي والتراث بإملشيل.