تداول الرأي العام الجزائري مؤخرا، أنباء حول إقالة ضابطين ساميين في المؤسسة العسكرية وهما الجنرالان حسن طافر وعبدالقادر الوناس، اللذان شغلا منصبيْ قيادة القوات البرية والجوية، واستخلفهما الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، بكل من الجنرالين سعيد شنقريحة ومحمد بومعزة.
القرار المذكور يأتي في سياق حركة تغييرات عميقة تقوم بها القيادة العليا للمؤسسة العسكرية على كوادرها منذ نهاية شهر يونيو الماضي، حيث شملت إلى حد الآن 12 لواء وعددا من العقداء، وتبقى مفتوحة لتشمل أسماء وضباطا آخرين خلال الأيام المقبلة.
وتحدثت تسريبات من محيط المؤسسة، بأن التغيير سيشمل لاحقا جنرالات آخرين، على غرار الرجل القوي في وزارة الدفاع الوطني اللواء زناخري الذي شغل منصب الأمين العام للوزارة، واللواء عكروم، واللذين يكونان قد استخلفا باللواءين غريس وبن تيبولات، ليضافا بذلك إلى كبار الضباط في دوائر المؤسسة العسكرية وقادة النواحي العسكرية.
وفي ظل التكتم الإعلامي على أبعاد ودلالات الحركة، والاكتفاء بأسلوب التسريبات للقنوات والمصادر المقربة، يبقى الرأي العام الجزائري متطلعا إلى معرفة الأهداف والأسباب الكامنة وراء حملة التغييرات غير المسبوقة في مسار المؤسسة العسكرية، خاصة في ظل المعلومات المتضاربة حول منع عدد من الجنرالات من السفر وسحب جوازات السفر منهم، وتفتيش وتجميد ممتلكاتهم.
وتحدثت تقارير متطابقة عن أن النائب العسكري لاختصاص الناحية العسكرية الأولى (البليدة)، أصدر مؤخرا قرارا بفتح تحقيقات معمقة مع بعض الجنرالات المقالين مؤخرا، ومنعهم من السفر وسحب جوازات السفر منهم، ويتعلق الأمر بكل من سعيد باي، بوجمعة بودواور، عبدالرزاق شريف، حبيب شنتوف، عبدالرزاق شريط، أوقاسي سعيد، فضلا عن القائدين السابقين لجهازي الدرك والأمن، وهما مناد نوبة وعبدالغني هامل.
وكان القائد الجديد للأمن الجزائري العقيد مصطفى لهبيري قد أقال في غضون اليومين السابقين، مدير أمن مطار الجزائر العقيد محمد تيارتي، على خلفية السماح للجنرال سعيد باي بمغادرة البلاد، وهو القرار الذي اتخذ بإيعاز من قائد أركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح.
وفيما تحدثت مصادر محلية عن هروب الجنرال سعيد باي بعد قرار تنحيته، فإن مصدرا مطلعا أكد أن المسألة تتعلق بعدم اطلاع الرجل الأول في المؤسسة العسكرية على خروج الجنرال، وظهور بعض الاختلال في التنسيق بين مصالح الأمن والجيش، وهو ما دفع به إلى إقالة المسؤولين المباشرين عن العملية، وهما مدير أمن المطار، ومسؤول دائرة المعاشات والضمان الاجتماعي للجيش الذي تفاجأ بخروج الجنرال في سفرة علاجية إلى بروكسل البلجيكية، دون إخطار مسؤوله الأول، وأن الجنرال سعيد باي، قطع رحلته فور إبلاغه بالتطورات وعاد إلى أرض الوطن.
وبالموازاة مع ذلك تتداول دوائر مقربة من المؤسسة العسكرية أنباء عن صدور قرار من طرف النائب العام العسكري، يقضي بتجميد أرصدة وممتلكات أفراد عائلات (الأبناء، الزوجات، الأحفاد والأقارب)، لعدد من الضباط الذين تمت تنحيتهم خلال الشهرين الأخيرين، وإخضاعهم لتحقيقات معمقة، لا سيما أولئك الذين يشتبه في علاقتهم بقضية شحنة الكوكايين الضخمة المحجوزة نهاية شهر ماي الماضي في ميناء وهران.
وساهم تزامن حركة التغييرات المفتوحة على أعرق مؤسسات الدولة في البلاد، مع الحراك القائم حول الاستحقاق الرئاسي المقبل، والمستقبل السياسي في ظل الغموض الذي يكتنف مرشح السلطة والتردد بين التجديد لبوتفليقة أو خليفته، في تصاعد وتيرة الجدل وتضارب القراءات، حول أبعاد ودلالات العملية، وموقف المؤسسة من الاستحقاق المذكور، وهي المعروفة بـ”صناعة الرؤساء”، رغم خطاب الحياد والالتزام بالمهام الدستورية.
ودخلت الولاية الرابعة لبوتفليقة عامها الأخير، وهي أكثر فترات حكمه جدلا؛ بسبب تعرضه، في أبريل 2013، لجلطة دماغية أفقدته القدرة على الحركة ومخاطبة شعبه.
ولم يظهر بوتفليقة أو محيطه مؤشرات حول نيته مغادرة الحكم، وسط دعوات من أنصاره في أحزاب ومنظمات موالية بالترشح لولاية جديدة، ودعوات من معارضين إلى مغادرة الحكم بسبب وضعه الصحي الصعب.