“راق شرعي”، “معالجٌ من السحر و الحسد” أو “صارعٌ للجان”، ليست مفردات ضمن قواميس أفلام الفانتازيا الهوليودية، بقدر ما هي جمل كُتبت على لافتات أمام منازل هامشية بمختلف أزقة مدُنكم، كما تعج بها صفحات و حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، ترتبط في الآذان بمشاهد هستيرية لمرضى يهذون في صراخ، يروون أقاصيص يصعب على الخيال تصديقها.
انتشار هذا النوع من المراكز و المصحات، استفزّنا للقيام بتحقيق صحفي حول هذه الموضوع الذي بات قبلة العديد امتهانا واستشفاء، مما جعل الأمر يصل إلى حد وصفه بالظاهرة، و هو الحال الذي يستدعي طرح أسئلة متعددة عن أسباب انتشار مثل هكذا مراكز معالجة يفترض أنها تلجأ للقرآن و السنة.
أين شرعية الرقية ؟
يرتبط في الأذهان ذكر الرقية الشرعية بآيات قرآنية و أدعية، شرعت قراءتها لتحصين النفس من كلّ شر، كما علاجها من المس، السحر، أو الحسد. فعلٌ ثابت في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، خصوصاً وروده في قصة ابن مسعود الذي روى للرسول الكريم قصة “اللديغ” -من لدغته أفعى- إذ رقاه بالفاتحة، فزكى عليه فعله و أقرّ أن أم الكتاب -الفاتحة- أفضل ما يرقى به، وعلى ذلك تتابع الصحابة الكرام و اقتدو بهذه السنة.
إلا أن الخلاف الحاصل على المستويين الفقهي و الأخلاقي، يستغل في أغلب الأوقات لمآرب آخرى، الجانب الأول منه متعلق بكيفية تمييز الراقي بين المس و السحر و الحسد ؟ فهل هنالك وجود لآيات بعينها تمكن من تمييز أعراض عن أخرى؟ فيما الجانب الثاني متعلق باتخاذ مساعدة الغير مورداً للدخل، وهو ذاته النقاش الذي دار بين أحد الدعاة و ممتهن للرقية الشرعية (فيديو) .
مراكز و طقوس … قنينات ماء و “بساق”!
باتت محلات هؤلاء ضمن برامج الارتفاق، أحدهم يرفض تسمية منزله الخاص بغير “مركز العلاج بالرقية”، قد لا تلحظ و أنت تتجول بالأرجاء غير حجاب من قماش، يفصل “مصرية” استقبال الضيوف أو بمنطقه هو “قاعة العلاج”، عن باقي أرجاء المنزل.
غرف أخرى مفصولة عن المنازل على شكل “أگواريج” تحمل يافطات إعلانية رقمية الطباعة، تتعد الصفات المرقونة على صدرها “معالج روحاني” “الرقية الشرعية” !! تفاقم الأمراض النفسية و العضوية، و تزايد حدة المشاكل الاجتماعية التي لم يكن مجتمع الصحراء يعرفها سابقاً، جعلت الفرصة مواتية أمام هذه الشريحة الجديدة، لتستغل كل هذه الأوضاع من أجل مد يدها في جيب المواطن عبر طرق قد يكون التظاهر بقراءة آيات من القرآن الكريم إحداها.
الإقناع بالشفاء.. وصفتهم السحرية
يطورون طرقهم بتطور وسائل التواصل، فلا تتفاجأ إن صادفت بعد حين مقاطع فيديو أو بثاً مباشراً، يظهر أحدهم يصارع من يدعي أنه “جنياً” على جسد مريض سقيم ممد، لن تستطيع تمييزهم فلهم نفس الأوصاف و الأسماء “الراقي المغربي” “الراقي الشرعي” ، لكن احتياطهم في إبداء الأسماء ليس هو ذاته مع وسائل التواصل. عناوين و هواتف يتم تتبعها بثها على الملأ و شهادات لمرضى حصلوا على الترياق الشافي و يستطعون ذلك على الطريق في سبيل الله.
الدفع نقداً وليس بالدعاء
عندما يتعلق الأمر بالعائد المادي، لا يتوانى من يسمون أنفسهم بالرقاة الشرعيين عن تحديد جداول الدفع، فسومة الاستشارة ليست هي سومة العملية الموضعية. كما أنه لا وجود لعلاج بحصة واحدة.
فمفاوضات “الجان” ليست يسيرة لهذا الحد، كما أن فك شفرات الأعمال و الأسحار تتطلب وقتا و طلبات معينة، فعليه أن يحدد أولاً إن كان الجان مسلماً أم كافراً، متزوجاً أم أعزباً، محباً أم كارها.
كما أن السحر بأوصافهم درجات، فعملية فك السحر الأسود ليست هي عملية فك السحر العلوي أو السفلي، عليك أن تجز أولاً فجدول المواعيد ممتلئ. هي جملة يصادفها أغلب الطالبين لهذا النوع من الجلسات فالإقبال أصبح منقطع النظير.
أيديهم لا تمتد للجيوب فقط بل لعقائد الناس
إن ما بات يعرف بامتهان “الرقية” أو ادعاء التغلب على سكن الجن لجسم الإنسان، جعلت من العقيدة الإسلامية ككل هدفاً لتشكيكات الملحدين و المكذبين في الدين، فضلاً عن استغلال طقوسهم كمادة للسخرية من طرف العديدين، خصوصاً منهم من يتربصون لاستغلال مثل هذه المغالطات من أجل نسبتها للدين في محاولة لإثبات صحة أفكارهم الإلحادية.
تجوب الأرقام الهاتفية و اليافطات الإعلانية مختلف الأنحاء ومعها تنتهي جولتنا خارج مكاتبنا، نعود مساء و قد كونا صورة تشخيصية عن واقع مأساوي لا يعني قطعاً أن كل من يعرض يد العون “دجال”، لكن خيطاً رفيعاً فارقاً يميز المساعدة عن الاتجار.
أنجزه لـ AT : رشيد البكاي / عبد الفتاح الراجي