لا جدال كون دور الإعلام اليوم -أكثر من اي وقت مضى- سواء التقليدي او البديل في عالمنا المعاصر، لم يعد يقتصر على نقل الأخبار والصور ومصدر للمعلومات، بل يتجاوزه لما هو أبعد إلى نشر القيم وتشكيل القناعات والاختيارات وتكوين الرؤى والانطباعات وصناعة الرأي العام وبلورة التوجهات والتأثير في عقلية وسيكولوجية الجماهير من خلال طبيعة المعالجات الإعلامية، حيث يعتبر الإعلام واحد من أعظم وأخطر الانجازات البشرية خصوصا مع التطورات المتلاحقة التي تطال أساليبه ووسائله.
وعليه يشكل الاعلام آلية مباشرة للاتصال بالجماهير والمجتمعات، استنادا للوسائل المتاحة بعد الثورة المعرفية والمعلوماتية وكذا بالنظر للأدوار المحورية التي يضطلع بها خاصة في نشر الوعي والتثقيف والتعليم المرتبطة بقضايا وشرائح مجتمعية ، لاتزال علاقتها بهذه “السلطة” ملتبسة ويشوبها الكثير من سوء الفهم بل والحيف احيانا، ونخص بالذكر هنا الأشخاص في وضعية إعاقة وقضاياهم؛
وترتبط طبيعة علاقة الاعلام بالإعاقة بالتطورات المجتمعية (نظرة المجتمع للشخص في وضعية إعاقة) وبالتطورات النفسية والحقوقية من جهة أخرى (نظرة المعاق لنفسه كعنصر فاعل في المجتمع).
اتساقا مع هذا الاستهلال فإن طرح موضوع الاعلام والاعاقة يستدعي استحضار ملاحظة أساسية مرتبطة بإشكالية تحديد مفهوم الاعاقة، فهو مفهوم على غرار العديد من المفاهيم التي يتقاطع فيها العديد من العلوم الانسانية والاجتماعية، لم يحسم بعد بشكل نهائي بالنظر للمقاربات والمناهج التي تتنازعه وتتجاذبه، وهذا أمر طبيعي على اعتبار ان المفاهيم العلمية تتفاعل مع حركية المجتمع وتطوره والصراعات داخله، هذا التدافع خلُص للمقاربة الحقوقية التي تبنتها الاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي إعاقة، كخلفية تٌعرف الإعاقة كونها ليست مفهوما ثابتا بل لازال قيد التطور، وأنها ترتبط بالبيئة المحيطة بالشخص المعاق أكثر من ارتباطها بالشخص ذاته؛
ووفقا للاتفاقية الدولية لحقوق ذوي الاعاقة، التي لا تعتبر الاعاقة حالة طبّية إنما هي نتيجة لوجود حواجز معرفية، معمارية، ثقافية، اقتصادية ومجتمعية…، لا تشجع الأشخاص حاملي الاعاقة على المشاركة في الحياة العامة بشكل عادل ومنصف، الشيء الذي يعيقهم عن الإدماج والدمج الشامل؛ وبالتالي ضرورة رفع هذه الحواجز والسلوكات، سواء كانت في المخيال الشعبي الجمعي أو التعليم أو الاسرة أو الشارع او الاعلام…، والتي تتعامل مع الاشخاص ذوي الإعاقة على انهم مشكلة ( المعاق= مشكلة) يجب حلها كونهم مجرد مستقبلي خدمات يحتاجون للرعاية والمساعدة والوصاية.
ويجذر بنا التذكير هنا بان المعنيين بهذا الاشكال يمثلون بالمغرب 6,8°/° حسب البحث الوطني حول الاعاقة لسنة 2014، ومن ضمن نتائجه أن كل أسرة من أصل أربعة معنية بالإعاقة، وتتضاعف هذه النسبة بجهة العيون الساقية الحمراء لما يفوق 13°/° كأعلى معدل وطني وهو ما يعطي هذا الإشكال راهنية جهوية وإلحاحا مضاعفا.
فرغم التراكمات الايجابية التي حققتها “الحركة الحقوقية للأشخاص ذوي إعاقة” بدأ من المصادقة على الاتفاقية الدولية ذات الصلة، وتضمين حقوق الاشخاص في وضعية اعاقة، سواء في تصدير الدستور او الفصل 34 منه، الذي يلزم الدولة بوضع برامج و سياسات عمومية دامجة تأخذ بُعد الاعاقة بعين الاعتبار، إلا ان الفجوة لازالت مهولة بين ما سبق من ترسانة قانونية اشبه بإعلان حسن نوايا وبين الواقع المعيش لدى هذه الفئة، الذي لازالت تكرسه جل المعالجات الاعلامية بل وحتى الدرامية والاعلانية، بإفرازها وإنتاجها خطابات وصور تمييزية تكرس راهن الاقصاء والتهميش، من خلال سطحية المعالجة وموسميتها والارتكان الى توصيفات وتعبيرات ذات مدلولات تمتح من المقاربات الاحسانية، ذلك ان المؤاخذات الاساسية على طبيعة الصورة النمطية اتجاه الاشخاص ذوي اعاقة هي كونها إسقاطية نتيجة خلفية سلبية مسبقة عن هذه الشريحة لا تنظر للشخص المعاق كشخص منفرد بل كشخص ينتمي لمجموعة مرتبطة بالوسم.
وما يقال عن مضمون الرسالة الاعلامية بشكل شبه عام، ينسحب على الولوج لهذه الخدمة التي لم تعد ترفا معرفيا واجتماعيا بل ضرورة وحاجة وجودية؛ فمعلوم أن مفهوم الولوجيات لا يرتبط فقط بإمكانية الوصول جسديا بل يتجاوز هذا التصور المادي الميداني ليشمل في المجال الاعلامي الحق في جعل المادة الاعلامية متاحة وممكنة لكل انواع الاعاقة (لغة الاشارات)، ويطرح هذا العامل ايضا قضية حضور الشخص المعاق كمهني مما قد يسهم في القطع مع الاحكام السلبية المسبقة اتجاه الاشخاص ذووا إعاقة؛
ويرى جل المتدخلين ان هذه الفئة لازالت رهينة التمثلات والمعتقدات السلبية السائدة في المجتمع والادارة والمقاولة، من هنا ينبثق دور الاعلام بكل اطيافه (سمعي – بصري – إلكتروني – اجتماعي…) في تصحيح هذه الصورة على كل هذه المستويات كنوع من المناصرة الواعية والترافع المنتج بإذكاء الوعي الحقوقي، على اساس محاربة كل اشكال التمييز اتجاه حاملي الاعاقة بكل انواعها (سمعية، بصرية، حركية، ذهنية، توحدية…)
ومن باب الإنصاف والموضوعية، فإن الصور الذهنية السلبية ليست فقط من انتاج الآخرين، ولكنها قد تكون صناعة ذاتية أيضا نابعة من شخص المعاق، فالكثير من الأشخاص في وضعية إعاقة يساهمون في تكريس هذه التمثلات عن وعي او عن غير قصد، وذلك بالارتكان لممارسات و لخطاب المظلومية والانتظارية والانهزامية والقدرية، وقتل روح التحدي والابداع لديهم، فهم ايضا بصيغة أخرى يشكلون مصدر معاناة لأنفسهم، وعامل كابح لرهاناتهم وانتظاراتهم وتطلعاتهم.
وعليه يتطلب طرح موضوع العلاقة بين الاعلاميين والصحفيين والمدونين والمصورين الصحفيين وسائل الاعلام من جهة، والاشخاص في وضعية اعاقة وقضاياهم من جهة أخرى مقاربة شمولية تتجاوز التفاعل الاخلاقي العاطفي الكلاسيكي المجرد بالانتقال لمستويات أخرى من المعالجة ، لا تقتصر على علوم الاعلام والإتصال فقط بل إلى خلق حقل دلالي يتلائم والدور المتعاظم للإعلام و إلى معالجة واعية مبنية على احترام التنوع والاختلاف البشري واحترام الكرامة الانسانية حتى تساهم في تصحيح الكليشيهات والمغالطات المسبقة لدى المتلقي عن الاشخاص في وضعية إعاقة وقضاياهم.