على مدى السنوات العشر الماضية، غادر الآلاف من الأطباء الذين تلقوا تكوينهم في إسبانيا في محاولة لتجريب حظهم في الخارج، حيث اجتذبتهم أجور أعلى بكثير وظروف عمل من الصعب منافستها، وهو وضع أثر على النظام الصحي.
ووفقا لمنتدى العلاجات الأولية، فقد أضرت الهجرة الجماعية بشكل خاص بمجال الرعاية الأولية، حيث يسجل القطاع العام نقصا بحوالي 6000 طبيب أسرة، ويزداد هذا الأمر أكثر خاصة في المناطق الريفية.
هذا العجز يهدد بتوسيع نطاقه ليشمل تخصصات أخرى إذا لم يتم تعويض 80 ألف مهني سيحالون على التقاعد خلال العقد المقبل، وفقا لتقرير صادر عن مركز الدراسات التابع لاتحاد الأطباء في غرناطة. وفي هذا السياق، يخصص مشروع الميزانية العامة للدولة لسنة 2023 مبلغ 50 مليون يورو لإحداث حوالي 1000 منصب شغل في هذا القطاع، وهو إجراء لا يبدو بالنسبة لعمداء كليات الطب والطلاب أنه يشكل حلا لهذه المشكلة.
وفي هذا الصدد، قال الكاتب العام للجامعات، خوسيه مانويل بينغارون، خلال اجتماع عقد مؤخرا لقطاع الصحة، إن “حركية خريجينا على المستوى الدولي مرتفعة للغاية. وهذا يعكس جودة التكوين الذي نقدمه لهم في الجامعات العمومية والخاصة جيد ويتيح لهم العمل أينما يريدون دون أية مشكلة”.
ومع تزايد شيخوخة الساكنة، لا تستطيع إسبانيا تحمل خسارة الأطباء المطلوبين والذين تكلف دراساتهم مصاريف باهظة، حيث يتم في المتوسط، إنفاق 90 ألف يورو على تكوين الطالب، على الرغم من أن هذا الرقم أعلى بكثير في بعض الكليات، ولاتكمن المشكلة في عدد الخريجين، بل في عدد المتبقين وبذلك يتواصل النزيف، الذي تغذيه ظروف العمل السيئة، بلا هوادة.
وعلى مدى العقد الماضي (2011-2021)، أصدر المجلس العام للجمعيات الطبية الرسمية (CGCOM) شهادة تأهيل إلى 18000 طبيب إسباني من أجل ممارسة المهنة في الخارج. وفي السنة الماضية، منح المجلس تأشيرات لـ 1827 طبيبا رغبوا بالعمل في الخارج بعد فترة انتقطاع بسبب الجائحة سنة 2020. وكانت الوجهات الأكثر ارتيادا هي فرنسا والمملكة المتحدة وإيرلندا وسويسرا وألمانيا في أوروبا والأرجنتين والإمارات العربية المتحدة خارج أوروبا.
ولمواجهة هذه الوضعية، أعلنت الحكومة عزمها زيادة عدد المناصب المخصصة للأطباء بنسبة تصل إلى 15 بالمائة لسد الخصاص بالنسبة ل 4700 طبيب أسرة و1300 طبيب أطفال.
في سياق متصل، أشار بابلو لارا، رئيس مؤتمر العمداء، إلى عدد من المعطيات، التي تفيد بأنه في الخمسة عشر عاما الماضية، انتقل عدد المقاعد بكليات الطب من 4343 إلى 7591، أي بزيادة قدرها 75 بالمائة بعد أن ارتفع من 28 إلى 46 كلية.
وتطرق لارا، وهو عميد جامعة ملقة، إلى مشكلة متعددة العوامل تستدعي الهجرة،حيث قال “نحن بحاجة إلى جعل ظروف عمل الأطباء كريمة، ليس فقط من حيث الأجر فحسب، وإنما يجب أن يكون لديهم المزيد من الوقت لاستقبال المرضى وللتكوين”، مضيفا ” نحن بحاجة إلى تقديم تحفيزات للوظائف التي يصعب شغلها، للحد من الهشاشة المسجلة على هذا المستوى”،كما يتعين الإشارة إلى أن العديد من الجهود تبذل في هذا الاتجاه، من خلال الرفع من مناصب الشغل في القطاع العام، وكذلك مدة العقود”.
وفقا لاستطلا حول وضعية مهنة الطب تم نشره من قبل المجلس العام للجمعيات الطبية الرسمية (CGCOM) والنقابات، وشمل ما يقرب من 20 ألف مهني، فإن واحد من كل ثلاثة أطباء يمارسون المهنة في إسبانيا، غير راضين عن أوضاعهم، إما بسبب عبء العمل (65.2 بالمائة) أو بسبب مستوى المتطلبات (32.9 بالمائة) أو بسبب الإجهاد النفسي (55.7 بالمائة)، إضافة إلى ذلك، فإن لدى الثلث منهم عقود مؤقتة.
في المقابل، توفر العديد من الدول الأوروبية الاستقرار الوظيفي ورواتب أعلى بكثير وظروف عمل غير قابلة للمنافسة عندما يتعلق الأمر بالتوازن بين الحياة المهنية والحياة الخاصة.
ويتقاضى الطبيب المقيم في مدريد 1200 يورو شهريا للسنة الأولى، أي أقل بالضعف من نظيره في الدول الأوروبية الأخرى. وفي المتوسط ، يكسب الأطباء في فرنسا 95000 يورو سنويا، ما يمثل تقريبا ضعف أجور الإسبان الذين يتقاضون 53 ألف يورو، وأقل من نصف رواتب زملائهم في كل من المملكة المتحدة (129500) وألمانيا (125000)، وذلك وفقا لاستطلاع شمل الأطباء أجرته المجلة العلمية ميدسكاب (Medscape).