أورد الرئيس الموريتاني السابق “المختار ولد داداه” في مؤلفه «موريتانيا على درب التحديات»، قصة أول مذياع في موريتانيا، و الذي كان قد أهداه له أحمد السالك ولد بيروك، حيث عبر المختار عن الواقعة قائلا:
“خلال مقامي في البير (بير أم اكرين أو Fort- Trinquet) بين عامي 1943 و1946، كان من حسن الطالع أنني أمتلك جهازاً إذاعياً يعمل بالبطارية ويسمح لي بمتابعة أخبار الحرب يومياً، تلك الأخبار التي تهمني بصورة خاصة. وقد أهدى لي هذا الجهاز صديق تاجر من أطار هو أحمد سالك ولد بيروك الذي ينتمي إلى أسرة الزعامة في اكليمين. فقد كان ينزل عندي دوماً أثناء أسفاره المتكررة بين أطار واكليمين ذهاباً وإياباً. ولم يكن في أي مرة من المرات يسافر بمفرده. ونظراً إلى أن تقاليد ضيافتنا تحظر عليه أن يدفع إليّ مقابل الضيافة عُروضاً أو نُقوداً، كما تمنعني من قبول ذلك، فقد أراد، كما قال، أن يهدي إليّ جهازاً لا يمتلكه أي مواطن في موريتانيا آنذاك! وكانت هذه الهدية التي لا تقارن بسواها، قد جُلِبت من المغرب. وكنت أشحن البطارية بانتظام من المولد الكهربائي في الحامية (العسكرية الفرنسية) لتشغيل هذا الجهاز. ومن حسن الحظ أن المسؤولين الذين تعاقبوا على الحامية كانوا ظرفاء جميعهم.
وكان بالفعل أول جهاز إذاعي يمتلكه موريتاني يعيش داخل البلاد. وليس المقام هنا مقام سرد للنوادر والحكايات الغريبة المتعلقة بهذا «الصندوق الناطق بالفرنسية والعربية ولغات أخرى (أعتبر أن برامج البي بي سي اللندنية باللغة العربية كانت الأفضل آنذاك)، بل إنه يحفظ القرآن!». وبفضل حفظه للقرآن لا يمكن أن يوصف بأنه شيطاني. لقد حيّر الصندو الناطق أكثر من واحد وجذب الرائي والمستمع على وجه الخصوص، وظل حديث الناس في الشمال الموريتاني وفي منطقة بوتلميت بل وربما في بقية البلاد.
وكنت فخوراً بامتلاك تحفة كهذه نظراً للأهمية الأكيدة التي وفرتها لي تلك الحيازة. فقد أصبحتْ مصدراً للمعلومات المتعلقة بمختلف جبهات الحرب، ذلك المصدر الذي يشكل مرجعاً حتى بالنسبة للنصارى. وهكذا كان العسكريون الفرنسيون في المركز يسألونني من حين لآخر عن آخر أخبار مسرح العمليات هنا وهناك. وكنت أستمع، كلما أمكن، إلى إذاعة بي بي سي الفرنسية والعربية. وكان شغفي القوي بأخبار الحرب مدعاة إلى اهتمامي بالاستماع إلى أنبائها بالإنجليزية. فقد استشعرت بطريقة ما الأهمية المتنامية لهذه اللغة في الحياة العالمية بعد الحرب، وهي الأهمية التي استَقتْها من الدور الحاسم للولايات المتحدة الأميركية في قيادة الحرب ضد قوى المحور. (..) وخلال مقامي في البير، حصلت على شهادتين في الإنجليزية عن طريق المراسلة، هما شهادة المستوى الأول والمستوى الثاني”.