إن العمل السياسي في مجمله كان وما يزال محط جدل من لدن الفاعلين المحليين أنفسهم وكذا الفئات العريضة من الرأي العام، والذي تختلف ردات فعلهم عادة بين الرضى والسخط. ما يهمنا نحن في هذه الممارسات السياسية هو انعكاسها على أرض الواقع والمكاسب التي حققتها معنويا وماديا، وسنستعرض في هذا المقال التجربة البرلمانية وسنختار من المدن مدينة طانطان لما لها من أهمية ولما لها من تراكم تاريخي في العمل السياسي في الجنوب.
لعل فعالية العمل البرلماني تنبثق أساسا من الفعالية الممارسة داخل قبة البرلمان، ذلك أن مهمة البرلماني تتمثل أساسا في التشريع وصياغة القوانين والمشاركة في مراقبة العمل الحكومي في المجمل، هذا لا يعني أبدا تفريغ عمل النائب البرلماني من انتمائه الجهوي بل يبقى الترافع عن قضايا منطقته والتشاور مع الفاعلين المحليين لبلورة قوانين تستجيب لتطلعات الساكنة التي وضعت ثقتها به، يبقى ركنا أساسيا من أركان العمل البرلماني الصحيح. غير أن هناك دورا آخر ينبغي الاحتكام إليه لتقييم هذه الممارسة والذي يتمثل في قدرة النائب على تمثيل مدينته بصورة فاعلة من داخل مؤسسته الحزبية أولا ثم من داخل أجهزة الدولة التي يشغل هو فيها الواجهة الديموقراطية.
إن الطنطان بما يعيشه اليوم من إشكالات وفي ظل معطيات النموذج التنموي الجديد يحتاج ليس فقط لتجديد نخبه السياسية ولكن أيضا لتعزيز ودعم مكانة النخب التي راكمت تجربة مهمة، وتمكنت من إثبات وجودها داخل المؤسسات عبر صناديق الاقتراع أولا وكذلك عبر لعبها أدوارا طلائعية مشرّفة أسهمت في إشعاع المدينة عبر حضورها المتميز لمختلف الأنشطة التي تعرفها المناطق الجنوبية ومدينة طانطان بصفة خاصة، وكذلك عبر تمكنها من فرض مكانة المدينة ونخبها السياسية داخل المؤسسات الحزبية التي تنتمي إليها، وهذا هو أول عنصر يضمن لهذه المدينة حضورها في ساحة الممارسة السياسية ويتيح لطاقات أخرى شابة الفرصة للاتحاق بالعمل السياسي وفق خيارات وشروط سليمة وصحية.
إننا محتاجون اليوم لمراجعة أوراقنا جميعا بدل أن نطالب السياسيين فقط بمراجعة أوراقهم، نحتاج لإعادة النظر في تصوراتنا للتغيير، فالتغيير الذي لا ينبني على أسس ومعطيات واقعية هو قفز في المجهول، وربما يكون تغيير المسار هو المطلوب وليس الأشخاص.. وهذا يتطلب منا الانخراط الجماعي في دعم خيار التقدم إلى الأمام، عبر دعم النخب التي أصبحت اليوم تمثل واجهة للإقليم ومعه المنطقة الجنوبية، هذا الدعم ينبني على قواعد المشاركة الحرة عبر التشاور وتبادل الآراء والتواصل الجاد وتعبئة الرأي العام لخلق مبادرات ترتفع بقيمة المدينة والمنطقة وتشارك في صنع مستقبلها، وسيكون لنا في مقالات قادمة استعراض لنماذج بعينها بغية التحليل وإغناء النقاش الهادف.